للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال: «ما اتقيت الله في تقليدك ديوان الجيش رجلاً نصرانيًا، وجعلت أنصار الدين وحماة العقيدة والبيضة يقبلون يده ويمثلون أمره» (١) وللمهدي عامل نصراني تجاوز حدوده، فاستدعاه بعض المسلمين إلى القاضي سوار بن عبد الله وحضروا لديه، وبعد الأدلاء بالأقوال طلب البينة فشهدت على النصراني وتعديه منهج الحق، ثم خرج النصراني وعاد بكتاب المهدي الذي سبق أن أعطيه، فدخل المسجد هو وجماعة من النصارى ثم تجاوز الجالسين وحاول الخدم منعه فأبى حتى حضر أمام سوار بن عبد الله فدفع إليه الكتاب فرماه سوار ولم يقرأه، وقال ألست نصرانيًا؟ فقال: بلى. أصلح الله القاضي. ثم رفع سوار رأسه وقال جروه برجله خارج المسجد وأقسم أن لا ينظر له في شيء حتى يوفي المسلمين حقوقهم، فقال كاتب القاضي: قد فعلت اليوم أمرًا يخشى أن يكون له عاقبة. فقال: أعز أمر الله يعزك الله (٢).

وفي عهد المهدي قويت شوكة أهل الذمة قليلاً ومكنهم من بعض المناصب التي هي بالقياس إلى ما يحصل في زماننا شيء لا يذكر، ولكن المسلمين في ذلك الوقت لقوة الإيمان لديهم وشدة حساسيتهم للمنكر - استعظموا ذلك، فاجتمع بعض الصالحين ثم ذهبوا إلى المهدي وأنشد أحدهم عند الخليفة هذه الأبيات:

بأبي وأمي ضاعت الأحلام ... أم ضاعت الأذهان والأفهام

من صد عن دين النبي - صلى الله عليه وسلم - محمد ... أله بأمر المسلمين قيام

ألا تكن أسيافهم مشهورة ... فينا، فتلك سيوفهم أقلام


(١) انظر ظهر الإسلام/ أحمد أمين ج١ ص٨٣.
وانظر كتاب الوزراء/ للصابي ص٩٥.
(٢) أحكام أهل الذمة/ ابن قيم الجوزية ج١ ص٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>