للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنكرة والخطاب وإن كان موجها للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإن المراد بذلك هم الذين كانوا يفعلون ذلك من المسلمين، والدليل على ذلك ما يلي:

أولاً: إن الله تعالى أبان ذلك بما ذكره بعد قوله تعالى: (هَأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [النساء: ١٠٩].

ثانيًا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حكما في القصة التي نزلت الآية بسببها، ولذلك كان يعتذر إليه، ولا يعتذر هو إلى غيره، فدل ذلك على أن المقصود بذلك أمته من المسلمين (١).

ثم قال تعالى: (وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) [النساء: ١٠٧] أي لا تحاجج عن الذين يخونون أنفسهم، نزلت في «أسير بن عروة»، والمجادلة المخاصمة عن الغير (٢)، وفي هذه الآية دليل على النهي عن المجادلة عن من أذنب وتوجه عليه عقوبة من حد أو تعزير فإنه لا يجادل عنه، بدفع ما صدر عنه من الخيانة أو تبرير ما ارتكبه من جريمة لغرض إسقاط ما ترتب على ذلك من العقوبة الشرعية، وفي قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) دليل على انتفاء حب الله لمن كان بهذا الوصف، وإذا انتفى الحب ثبت ضده وهو البغض (٣) فمن اللائق بالمسلم أن يحب ما أحب الله، ويبغض ما أبغضه الله، ولا يكون مخالفا لله في حب ما يبغض وبغض ما يحب، فإن هذا السلوك لا يجوز أن يصدر من مسلم ملتزم بالإسلام التزاما صادقا.

فما هو موقف اقزام الأعلام من هذه النصوص؟ وهم ديدنهم المجادلة.


(١) انظر تفسر القرطبي (٥، ٣٣٧).
(٢) انظر تفسير القرطبي (٥/ ٣٧٨).
(٣) انظر تفسير ابن سعدي (٢/ ١٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>