مظاهرة للمشركين وموالاة لهم، فكان ذلك الأمر منه انسلاخا من آيات الله، حيث ركن إلى شهوته وهواه في حطام الدنيا الفاني، فقعد عن موالاة الحق ونصرة أهله.
والراجح عدم تخصيص الآية بهذا السبب الذي لم يثبت سنده، بل الآية تدل على هذا المعنى من مفهومها العام، وعلى ذلك فالعلماء الذين لم يعملوا كما أمرهم الله، بموالاة المؤمنين ومحبتهم ونصرتهم والاعتصام بحبل الله مع المؤمنين، وفي الجانب الآخر يقومون بمعاداة المشركين وبغضهم وجهادهم، وفراقهم، فإنهم إذا لم يكونوا بهذا الوصف، فقد انسلخوا من آيات الله واستحقوا الوصف المهين (١).
الدليل الثامن عشر: قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ)[الأنفال: ٧٣].
أي: إن لم تجانبوا الكفار وتوالوا المؤمنين، وتتميزا عن المشركين، تقع فتنة في الناس وهي التباس الأمر، واختلاط المؤمنين بالكفار، فيقع الناس في حيرة التمييز بين الحق والباطل، في أقوال الناس وأفعالهم، وخاصة العامة منهم وصغار السن، لامتزاج المؤمنين بالكفار، واختلاط أقوالهم وأفعالهم واعتقاداتهم فيحصل لضعاف المسلمين وللجهلة منهم العدوى من الكفار، بتحريض من المنافقين الذين يكونون في العادة وسطاء بين الكفار الصرحاء والمسلمين الأغبياء، فتترك الواجبات، وترتكب المحرمات، وتنتشر عدوى الكفر بين المسلمين، كما تنتشر عدوى الأمراض عند من لا حصانة لديهم، فمن باب الوقاية والحماية وعدم التفريط في دين الأمة، أن يفصل المجتمع المسلم فصلا تاما عن أهل
(١) انظر تفسير القرطبي (٧/ ٣١٩، ٣٢٠) وانظر تفسير زاد المسير عبد الرحمن بن الجوزي (٣/ ٢٨٧) وانظر تفسير الطبري (٩/ ٨٢، ٨٩)، وانظر مجموعة التوحيد (٢٣٩).