أشرنا فيما تقدم إلى ثلاثة أنواع من المسلمين يجوز لهم السفر والإقامة بين الكفار وفي دار الكفر، وذلك أن سفرهم ومقامهم بين الكفار إما لمصلحة الدعوة الإسلامية كالذين يدعون إلى الإسلام، أو الذين يزاولون أعمالاً مشروعة مع محافظتهم على الواجبات وترك المحرمات وإظهار الحق ومودته، وانتقاد الباطل وكراهيته، وإما لمصلحة النفس وهؤلاء هم المستضعفون من المسلمين، وتلك الحالات الثلاث لا تنطبق على معظم المبتعثين إلى الدول الكافرة ولا على المسافرين إليها.
وعلاج هذه الظاهرة في رأيي لا يكون بإغلاق الحدود بيننا وبين الكفار ولكن بتعميق مفهوم الإيمان في النفوس وغرس القناعة الذاتية في الأفراد فالرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يقم حواجز حول المدينة ليبحث مقاصد المسافرين ويمنع الناس من السفر إلى بلاد الشام ومكة قبل الفتح وإنما كان يعلم أن لدى كل مسلم حصانة ذاتية من داخل النفس بسبب صدق الإيمان وقوة الإسلام.
أما اليوم وقد فُقِدَت هذه الحصانة الذاتية والمناعة الداخلية فإنه يجب على الدول التي تدعي الإسلام أن لا تسمح للمسلم بالخروج إلى دار الكفار إلا إذا أبرز المسلم شهادة تزكية معتبرة تدل على صلاحه واستقامته في ظاهر حاله وأنه مظنة التأثير دون التأثر، وأنه يتمتع بقسط كبير من التقوى والورع الذي يمنح النفس القدرة على مقاومة إغراءات الكفار ومفاسدهم كما يقاوم الجسم القوي السليم عدوى الأمراض الجسدية والوبائية.
واشتراط شهادة التزيكة والعدالة أمر لا اعتراض عليه حسب معرفتي وتقديري، لأنه إذا كانت الدول تشترط على المسافرين منها وإليها إحضار شهادة تطعيم دولية ضد الأمراض المعدية الحسية، فإن خطر الأمراض الاعتقادية والفكرية والسلوكية على الإنسان المسلم أشد من خطر الأمراض الجسدية لأن إصابة الإنسان في عقيدته وسلوكه قد تجعله من المخلدين في نار جهنم.