وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) [الحشر: ١١] ففي هذه الآية تنبيه من الله عز وجل لرسول - صلى الله عليه وسلم - ولأمته من بعده إلى القرابة الشديدة بين المنافقين والكفار من أهل الكتاب، قرابة تصل إلى درجة الأخوة بينهما، فأهل الكتاب كفروا صراحة، والمنافقون إخوانهم في الكفر، ولو أنه يلبسون رداء الإسلام ظاهرا، فهم كفار في حقيقة أمرهم وواقعهم، فقد اعتبرت الآية وعد المشركين في السر بالدخول معهم ونصرهم، والخروج معهم نفاقا وكفرا، وإن كان هذا الوعد كذبا وتمويها، فكيف بمن وعد الكفار بالدخول معهم ونصرهم صادقا ظاهرا، فدخل في طاعتهم ودعا إليها، ونصرهم على ذلك، وانقاد لهم وصار من جملتهم وأعانهم على كفرهم بالمال والرأي والعتاد، أليس هذا أشد حالا وأسوا مالا من المنافقين المذكورين في هذه الآية؟ (١)
الدليل الرابع والثلاثون: قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ ... ) إلى قوله: (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ)[الممتحنة: ١].
فأخبر تعالى أن من تولى أعداء الله، وإن كانوا أقرباء، فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ الطريق القويم، والمنهج المستقيم، فإن من يدعي محبة الله، ومحبة رسوله، ومحبة المؤمنين، ثم يتخذ أعداء الله أصدقاء وحلفاء وأنصارا، ويلقي إليهم بالمودة لكاذب فيما يدعيه من حب الله ورسوله والمؤمنين، وفعله هذا تكذيب عملي لله، ومن كذب على الله فهو
(١) انظر مجموعة التوحيد (٢٣٦/ ٢٣٧)، وانظر في ظلال القرآن سيد قطب (٢٨/ ٤٣).