وإنه لفي المقابر ليلة من الليالي وهو يقرأ، إذ سمع صوتا من بعض الجدران: زد أبا عبد الله، زد أبا عبد الله.
فاتبع الصوت حتى وضع جبينه على الجدار فوقعت عليه غشية، ثم استفاق منها، ثم عاد يقرأ، ثم نودي به مرة أخرى كنحو ما نودي به أول مرة.
قال لي أبو الوليد: فجعلت أتعجب مما أورده علي، فقال لي: وكم لأبي عبد الله بن حمدون من هذه العجائب! .
ثم حدثني، قال: كان أبو عبد الله قد ورث من أبيه دنانير كثيرة، فأودعها ناحية من بيته تحت الأرض، ثم خرج على قدميه ماشيا إلى مكة، فسأل الله في بعض خلواته وهو متعلق بأستار الكعبة في الليل أو كما قال أن يجعل قوته يوما بيوم، ثم انصرف بعد حجه إلى مصر، فكان يجمع الشوك ويحمله على ظهره، فيصيب من ذلك القوت وربما عمل الخوص فلا يكاد أن يقدر على أكثر من قوت يوم بيوم.
قال: وخلق ما كان عليه من الثياب، فلم يجد ما يجددها به وطلب تلك الدنانير التي كان خبأ في الأرض، ليتوسع في شيء منها وليؤدي زكاته إن كانت وجبت عليه فيها أو كما قال، فكأن الأرض بلعتها فلم يقدر عليها، ولحقها جهد عظيم وقملت ثيابه الخلقة التي كانت عليه وضعفت حاله، فخرج إلى مكة حتى أتاها فتعلق بأستار الكعبة وقال: اللهم إني دعوتك في أمر لم أستخرك فيه وكان نظرك لي أفضل من نظري لنفسي، وقد قل صبري على ما سألتك من التضييق علي في تقويتي يوما بيوم، وهأنذا أستقيلك يا سيدي واسألك التوسعة علي في رزقي.