للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: "ومن عرف ربه".

أقول: العارف بربه هو الذي يرى الكائنات مستندة إليه تعالى بلا واسطة، وليس لأحد صنع سواه تعالى، وأيقن أنه الغني المطلق، وبيده النفع، والضر، وله الكمال المطلق. فإذا عرف الرب تعالى على الوجه المذكور لزم منه أمور منها: ما يرجع إليه، ومنها: ما يرجع إليه تعالى.

أما ما يرجع إليه هو تصور التبعيد، والتقريب (١)، فإنه قد جزم بأنه يفعل ما يشاء ليس لأحد صنع، وإذا تصور ذلك لزم منه الخوف، والرجاء، وقدم الخوف على الرجاء، لأن دفع المفاسد مقدم على جلب المصالح.

وإذا اتصف بهما لزم من ذلك الامتثال لأوامره، والاجتناب عن معاصيه، إذ من ادعى معرفته تعالى وهو منهمك في مخالفته، فقد كذب في دعواه لأنه لو تصور عظمته، واقتداره، وأنواع عقابه لم تتحرك منه شعرة إلى نحو المخالفة (٢).


(١) أي من عرف ربه تصور تبعيده منه بإضلاله، وتقريبه إليه بهدايته، فخاف عقابه، ورجا ثوابه كما ذكر الشارح.
(٢) قال الإمام الشافعي رحمه اللَّه:
"تعصي الإله وأنت تظهر حبه ... هذا محال في القياس بديع
لو كان حبك صادقًا لأطعته ... إن المحب لمن يحب مطيع
في كل يوم يبتديك بنعمة ... منه وأنت لشكر ذاك مضيع"
راجع: ديوانه: ص/ ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>