للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا تحلى بلباس التقوى، وجانب أسباب الغواية والهوى، فقد كمل ما هو راجع إليه، واستعدت النفس لقبول الفيض (١) من الجناب الأعلى الذي فيضه عام لا يتخلف عند قابلية المحل، مَنًّا وفضلًا.

قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "يا معاذ بن جبل قال: لبيك يا رسول اللَّه، قال (٢): هل تدري ما حق اللَّه على العباد؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: حق اللَّه على عباده أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئًا. ثم قال: وهل تدري ما حق العباد على اللَّه، إن فعلوا ذلك؟ قال: اللَّه ورسوله أعلم، قال: أن لا يعذبهم، ويدخلهم الجنة" (٣) ولفظ الحق من طرف العباد، ذكر مشاكلة، أو حق عليه تعالى لموجب وعده، لأنه لا يخلف الميعاد.

فهذا الحديث دليل واضح على أن العبد إذا أتى بالعبادات واجتنب المعاصى من الذين قال اللَّه في حقهم: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] (٤) وإذا أحبه كان عند العبد بمنزلة سمعه الذي به يسمع، وبصره الذي به


(١) الفيض: هو عبارة عن التجلي الحسي الذاتي الموجب لوجود الأشياء، واستعداداتها في الحضرة العلمية، ثم العينية.
راجع: التعريفات: ص/ ١٦٩ وهو مصطلح تداوله الصوفية، آخذًا من الأثر، والحديث الذي سيأتي بعد قليل، وفيه: "كنت سمعه الذي يسمع به إلى آخره".
(٢) آخر الورقة (١٣٤/ ب من ب).
(٣) راجع: صحيح البخاري: ٨/ ١٣٠، ١٤٠، وصحيح مسلم: ١/ ٤٣.
(٤) والآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة: ٥٤].

<<  <  ج: ص:  >  >>