للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ففى كل شيء له آية ... تدل على أنه (١) واحد

وهو إشارة إلى مقام الفناء (٢) الذي هو أعلى مقامات الواصلين فإنه يصير السالك في ذلك المقام فانيًا عن نفسه، وفانيًا عن فنائه لا يتصور إلا


(١) هذا البيت لأبي العتاهية من عدة أبيات بدايتها:
ألا إننا كلنا بائد ... وأي بني آدم خالد
وبدؤهم كان من ربهم ... وكل إلى ربه عائد
فيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد؟
وللَّه في كل تحريكة ... وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه الواحد
راجع: ديوانه: ص/ ٦٢.
(٢) الفناء ثلاثة أنواع:
النوع الأول: فناء الكاملين من الأنبياء، والصالحين من الأولياء، وهو فناء القلب عن إرادة ما سوى اللَّه بحيث لا يحب إلا اللَّه، ولا يعبد إلا إياه ولا يتوكل إلا عليه، ولا يطلب غيره، فهذا حق وصحيح، وهو محض التوحيد، والإخلاص، وهذا هو القلب السليم الذي قال فيه اللَّه عز وجل: {إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٩] وهذا المعنى إن سمي فناء، أو لم يسمَّ هو أول الإسلام وآخره، وباطن الدين، وظاهره، وهذا هو الفناء المحمود.
النوع الثاني: فناء القاصدين من الأولياء، والصالحين وهو فناء القلب عن شهود ما سوى اللَّه، وهذا يحصل لكثير من السالكين، فالأول فناء عن الإرادة، وهذا فناء عن الشاهدة، وذاك فناء عن عبادة الغير، والتوكل عليه، وهذا فناء عن العلم بالغير، والنظر إليه، فهذا الفناء فيه نقص؛ لأن شهود الحقائق على ما هي عليه، وهو شهود الرب مدبرًا لعباده، أمرًا بشرائعه أكمل من شهود وجوده، أو صفة من صفاته أو اسم من =

<<  <  ج: ص:  >  >>