فتصديره باللفظ مخرج للخط ونحوه مما هو كاللفظ في تأدية المعنى واللفظ أولى بالذكر من اللفظة، لأن اللفظ يقع على كل ملفوظ حرفًا كان أو أكثر، وحق اللفظة ألا تقع على حرف واحد، لأن نسبتها من اللفظ نسبة الضربة من الضرب. ولأن إطلاق اللفظ على الكلمة إنما هو من باب إطلاق المصدر على المفعول به كقولهم للمخلوق خلق، والمنسوج نسج، والمعهود في هذا استعمال المصدر غير المحدود بالتاء، ولذلك قلما يوجد في عبارة المتقدمين لفظة، بل الموجود في عباراتهم لفظ، كقول سيبويه في الباب الذي ترجمته: هذا باب اللفظ للمعاني:
"واعلم أن من كلامهم اختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين، واختلاف اللفظين والمعنى واحد، واتفاق اللفظين واختلاف المعنيين" ثم قال: "فاختلاف اللفظين لاختلاف المعنيين نحو: جلس وذهب".
ولم يقل اختلاف اللفظتين، فتصدير حد الكلمة بلفظة مخل ومخالف للاستعمال المشهور، بخلاف تصديره بلفظ.
والمراد ههنا بالمستقل ما ليس بعض اسم كياء زيد، وتاء مسلمة، ولا بعض فعل كهمزة أعلم، وألف ضارب. فإن كل واحد من هذه المذكورات لفظ دال بالوضع، وليس بكلمة لكونه غير مستقل.
وقيدت الدلالة بالوضع احترازا من اللفظ المهمل كديز مقلوب زيد، فإنه يدل سامعه على حضور الناطق به وغير ذلك، دلالة عقلية لا وضعية.
واحترز بذكر التقدير من أحد جزأي العلم المضاف كامرئ القيس، فإن مجموعه كلمة واحدة باعتبار المعنى، وكلمتان باعتبار اللفظ، لأن أحد جزأيه مضاف والآخر مضاف إليه، والمضاف والمضاف إليه لا يكونان إلا اسمين أو في تقدير اسمين، فامرؤ القيس اسم واحد تحقيقًا لأن مسماه لا يدرك بأحد جزأيه، وهو اسمان تقديرًا لأنه في اللفظ بمنزلة غلام زيد. وإنما ذكر التحقيق توطئة للتقدير.