وقد تقدم كلامي في التعجب أن بناء فعله وأفعل التفضيل من فعل المفعول لا يحكم بشذوذه إلا فيما يلبس فيه قصد المفعول، يقصد الفاعل. وذلك إذا كان الفعل مستعملا بالبناءين كثيرا، ولم يقارن أفعل ما يمنعه من أن يراد به الفاعلية كقولك: هذا أضرب من ذلك، وأنت تريد أن الضرب الواقع به أشد من الواقع بغيره، فإن هذا لا يجوز، لأن المراد به لا دليل عليه، بل السابق إلى ذهن من يسمعه التفضيل في الفاعلية.
فإن اقترن بما يمنع قصد الفاعلية جاز وحسن ومنه قولهم "أكْسى من بَصَلة" و"أشْغَلُ من ذاتِ النِحْيَيْن"، فيصح على هذا أن يقال عبد الله بن أبيّ ألعن ممن لعن على لسان داود، ولا أحرم من عدم الإنصاف، ولا أظلم من قتيل كربلاء. فلو كان مما لازم بناء ما لم يسم فاعله أو غلب عليه لم يتوقف في جوازه لعدم اللبس وكثرة النظائر كأزهى. وأعني من قولي إن ورود هذا في التفضيل أكثر منه في التعجب أنه لا ينبغي أن يقتصر منه على المسموع. ومن المحكوم بشذوذه قولهم هو أسود من حنك الغراب. وقول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الحوض "أبْيَضُ من اللَّبن" وإنما كان هذان شاذين لأنهما من باب أفعل فعلاء، وليسا كألدّ وأخواته مما يناسب عسرا أو جهلا، وقد تقدم الكلام على ذلك. وفي صيغ من قولي في أول هذا الباب مما صيغ منه في التعجب ضمير يرجع إلى موازن أفعل. وأشرت بقولي "ونيابة أشد ونحوه إلى أن الفعل الذي يقصد أن يصاغ منه أفعل التفضيل إن لم يستوف القيود توصل إلى معنى التفضيل فيه بذكر أشد ونحوه ناصبا مصدر ذلك الفعل على التمييز كقولك في دحرج وعلّم واقترب: هو أشد دحرجة وأصح تعليما وأكثر اقترابا. وكقولك في مات: هو أفظع موتا، وفي عور: هو أقبح عورا، وفي أكحل هو أحسن كحلا.
ولما كثر استعمال صيغة التفضيل من الخير والشر اختصروهما فحذفوا الهمزة