شبهات والرد عليها (*)
أعترض بعض الناس على الجامع الصحيح فقالوا: ليس ثَمَّ حديث على شرط البخاري أو مسلم، ولو كان هناك حديث على شرطيهما لأخرجاه في صحيحيهما ولكن إنما تركا هذه الأحاديث بسبب علل ظهرت لهذه الأحاديث.
الجواب: أصلح الله القائلين بهذا القول، وبصرهم ووفقهم لما فيه العلم النافع والعمل الصالح، والحق إن أصل هذه الشبهة تتكون من اعتراضين:
الأول: أنه ليس ثَمَّ حديث خارج أصول الصحيحين على شرطيهما.
الثاني: أنه لو كان هناك إسناد على شرط الشيخين أو أحدهما ولم يخرجاه دل ذلك على أن هذه الأحاديث معلولة عندهما.
المسألة الأولى: نقول بعون الله عز وجل أنه لا يشك من عنده أدنى خبرة بالحديث أن هناك أسانيد اتفقت مع شرط البخاري أو مسلم أو مع شرطيهما، ولم يخرجا هذه الأحاديث لعدة أمور منها على سبيل المثال:
١ - أن من شرط البخاري إثبات السماع للراوي عن شيخه، ولقد بين ذلك البخاري في تاريخه، فقد كان يُعل الرواية بمجرد عدم إثبات السماع، فهب أن رواية التي وقعت له لم يثبت فيها السماع فلا شك أنه لا يخرج مثل هذه الرواية، ثم تبين السماع من رواية وقعت لغيره فكان الحديث على شرطه ولم يخرجه في الصحيح.
٢ - وأحياناً يُختلف في الحديث من حيث وصله وإرساله فيحكم البخاري مثلاً للواصل بشروط:
- أن يزيد عدد من وصله على من أرسله.
- أن يكون الواصل أحفظ ممن أرسله.
فلم يقع لهما إلا من طريق عدد قليل ممن وصله , أو لم تظهر لهما قرينة تقوي الموصول على المرسل فلم يخرجاه , ثم ثبت أن عدد من وصله كان أكثر ممن أرسله , وظهرت القرينة التي تقوي الموصول على المرسل , كحديث "لا نكاح إلا بولي " فقد أُختلف في وصله وإرساله , فوصله إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبيه , ثم أرسله شعبة وسفيان الثوري عن أبي إسحاق عن أبي بردة ليس فيه عن أبيه , ثم ظهر بالفعل أن جمع كبير وصله كما فعل إسرائيل , وثبتت قرينة قويه على أن الحديث وصله أصح , وهذه القرينة نقلها الإمام الترمذي رحمه الله في السنن بعد الحديث وذكر الخلاف ثم قال " ومن رواه موصولاً أصح , لأنهم سمعوه في أوقات مختلفة , وشعبه وسفيان إن كانا أحفظ وأثبت من جميع من رواه عن أبي إسحاق لكنهما سمعاه في وقت واحد " انتهى.
قلت: وثمَّ قرينة أخرى أن إسرائيل أثبت في أبي إسحاق من شعبة وسفيان على الراجح , وهو قول عبدالرحمن بن مهدي رحمه الله , ونقلها الإمام الدارقطني فقال " قال محمد بن مخلد: فقيل لعبد الرحمن - يعني ابن مهدى-: إن شعبة وسفيان يوافقانه على أبي بردة فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحب إلي من سفيان وشعبة " انتهى.
٣ - بما أن الحديث ربما كان معروف عند الشيخين أو أحدهما , ولم يقع لهما بإسناد على شرطهما ووقع لغيرهما على شرطهما أو على شرط أحدهما وهو كثير في مسند الإمام أحمد وغيره من الأجزاء مثل السنة أو الأحاد والمثاني لإبن أبي عاصم وغيرهم.
٤ - أن هذا القول غريب وغير مشهور عند جماهير المحدثين الذين قالوا بخلافه فقد صنف الإمام الحاكم المستدرك على الصحيحين وهو عين موضوع البحث وأقره على بعض أحاديثه الحافظ الذهبي وتابعه على ذلك جمع منهم إبن دقيق العيد , وإبن الصلاح , وإبن حجر العسقلاني ومن المعاصرين العلامة أحمد شاكر , والعلامة الألباني.
والمسألة الثانية: أقول أن هذا القول مجرد تقليد , وآفة العلم التقليد , ولو أنهم إعترضوا بدليل علمي أو بحث مفيد لكنت أسعد الناس به , ولكن مجرد الحكم بالتقليد ليس من شيم المحققين من طلبة العلم , فإن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره , وأخيراً أنصح أخواني هؤلاء بما نصح به الإمام أحمد , أبي الحسن.
فقد روى ابن الجوزي في " مناقب أحمد " (ص ١٧٨) بسنده إلى الميموني قال: قال لي أحمد بن حنبل: " يا أبا الحسن إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام ". انتهى، فالسؤال الذي يطرح نفسه أين إمام هؤلاء في هذا القول؟ , وأترك رد السؤال للقاريء المنصف.
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: هذا الموضوع ليس في المطبوع، وهو في أصل الملفات التي أرسلها لنا المؤلف حفظه الله