قلت: ومستند تخطئة الصحابة ومن بعدهم بعضهم لبعض، بدون أي تحرج إنما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو الذي سن لهم ذلك، فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق بعد أن عبر رؤيا لرجل:
«أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا».
ولم يكن لمثل هذه التخطئة أي أثر سيء في قلوبهم، لسلامتها أولًا من الضغينة وسوء الظن، ولعلمهم ثانيًا أنها لا تستلزم شيئًا من الطعن الذي لا يليق بحق مسلم بخلاف هؤلاء المتعصبة الذين امتلأت قلوبهم بالبغض والحقد على أهل السنة وسوء الظن بهم فما يكاد السني ينطق بكلمة الحق نصحًا وتذكيرًا وتعليمًا إلا سارع أعداء السنة بحقدهم وسوء ظنهم إلى تفسيرها بنقيضها، وعلى هذا جرى أبو غدة في «كلماته»، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.
ومما سبق تعلم أن أبا غدة قد رجع خاسرًا خائبًا بهذا السهم الأخير الذي وجهه إلي، شأنه فيه شأنه في كل السهام والطعون التي سبق الكشف عنها وتسديدها إليه. وهكذا شأن كل باغ معتد أثيم يظن أنه بمكره وكيده إنما يضر غيره وينفث فيه سمه والحقيقة أنه بذلك كمن يسعى إلى حتفه بظلفه.
أسأل الله تعالى أن يؤدبنا بآداب الإسلام، ويخلقنا بأخلاق المؤمنين المخلصين الصادقين، الذين طهر الله قلوبهم