للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

١٥٠١١ - حدثنا أبو شعيبٍ عبد الله بن الحسن الحرانيُّ، قال: دثنا أبو جعفر النُّفيليُّ (١) ، قال: دثنا محمد بن سلمةَ، عن محمد بن إسحاقَ، قال: حدثني محمد بن جعفرِ بن الزُّبيرِ، عن عروةَ بن الزُّبيرِ، قال: بعث رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بَعْثًا إلى مؤتةَ في جمادى الأولى من سنة ⦗٣٧٨⦘ ثمانٍ، واستعمل عليهم زيدَ بن حارثةَ، فقال لهم: «إِنْ أُصِيبَ زَيْدٌ فَجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى النَّاسِ، فَإِنْ أُصِيبَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللهِ بْنُ رَوَاحَةَ عَلَى النَّاسِ» . فتَجهَّز الناسُ، ثم تهيّئوا للخروجِ، وهم ثلاثةُ آلافٍ، فلما حضر خروجُهم، ودّع الناسُ أمراءَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وسلّموا عليهم، فلما وُدِّع عبدُالله مع مَن وُدِّع بكى، فقيل له: ما يُبكيكَ يا ابنَ رواحةَ؟ قال: أما واللهِ ما بي حبُّ الدنيا وصبابةٌ، ولكني سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقرأُ آيةً من كتابِ الله يذكرُ فيها النارَ: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا *} (٢) ، فلستُ أدري كيف بالصَّدَرِ بعدَ الوُرودِ؟! فقال لهم المسلمون: صَحِبَكم الله ودفع عنكم، فردّكم إلينا صالحين، فقال عبدُالله بن رواحةَ (*) :

لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ (٣) تَقْذِفُ الزَّبَدَا ⦗٣٧٩⦘

أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حرَّانَ (٤) مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ [تَنْفُذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِدَا] (٥)

حَتَّى يَقُولُوا إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي (٦) ... أَرْشَدَكَ اللهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا

ثم إن القومَ تهيّئوا للخروجِ، فأتى عبدُالله بن رواحةَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يُودِّعُه فقال (*) :

ثَبَّتَ (٧) اللهُ مَا آتَاكَ مِنْ حَسَنٍ ... تَثْبِيتَ مُوسَى وَنَصْرًا كَالَّذِي نُصِرُوا

إِنِّي تَفَرَّسْتُ فِيكَ الخَيْرَ نَافِلَةً ... فِرَاسَةً خَالَفَتْهُمْ فِي الَّذِي نَظَرُوا

أَنْتَ الرَّسُولُ فَمَنْ يُحْرَمْ نَوَافِلَهُ ... وَالوَجْهَ مِنْهُ فَقَدْ [أَزْرَى] (٨) بِهِ القَدَرُ

/ثم خرج القومُ، وخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يُشيِّعُهم، حتى إذا وَدَّعَهُمْ [ظ: ٢٢٨/ب]⦗٣٨٠⦘

وانصرف عنهم، قال عبدُالله بن رواحة (٩) :

خلف السلام عَلَى امْرِئٍ وَدَّعْتُهُ ... فِي النَّخْلِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ وَكَلِيلِ

ثم مضوا حتى نزلوا بمَعَانَ (١٠) من أرضِ الشامِ، فبلغ الناسَ أنّ هرقلَ قد نزل [مآب] (١١) من أرضِ البلقاءِ في مئةِ ألفٍ من الرُّومِ، وقد اجتمعتْ إليه المستعربةُ من لَخْمٍ وجُذَامٍ وبَلْقَيْنِ (١٢) وبَهْراء وبَلِيٍّ، في مئةِ ألفٍ منهم، عليهم رجلٌ من [بَليٍّ] (١٣) آخذ رايتَه يقال له: مالكُ بن زانةَ (١٤) ، فلما بلغ ذلك [المسلمين] (١٥) أقاموا بمَعَانَ ليلتين ينظرون في ⦗٣٨١⦘ أمرِهم، وقالوا: نكتبُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فنُخبرُه بعددِ عدوِّنا؛ فإمّا أن يُمِدَّنا برجالٍ، وإما أن يأمرَنا بأمرِه فنَمضيَ له، فشَجّع عبدُالله بن رواحةَ الناسَ، وقال: يا قومِ! واللهِ إنّ الذي تكرهون لَلّذي خرجتُم له تطلبون: الشهادةُ، وما نقاتلُ الناسَ بعددٍ ولا قوةٍ ولا كثرةٍ، وإنما نقاتلُهم بهذا الدِّينِ الذي أكرمَنا اللهُ به، فانطلِقوا فإنما هي إحدى الحُسنَيَيْن: إما ظهورٌ، وإما شهادةٌ.

وقال عبدُالله بن رواحةَ في مقامِهم ذلك (١٦) :


(١) هو: عبد الله بن محمد بن نفيل.
[١٥٠١١] ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٦/١٥٧-١٥٩) ، وقال: «رواه الطبراني، ورجاله ثقات إلى عروة» .
وتقدم عند المصنف برقم [٤٦٥٥] مختصرًا. ⦗٣٧٨⦘
ورواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (٢٨٥٦) عن محمد بن أحمد بن الحسن، عن أبي شعيب الحراني، به.
ورواه ابن إسحاق في "السيرة"؛ كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/٣٧٣-٣٧٥) .
ورواه خليفة بن خياط في "تاريخه" (ص ٨٦-٨٧) عن بكر بن سليمان، والطبري في "تاريخه" (٢/٣٦-٣٨) من طريق سلمة بن الفضل، والحاكم في "المستدرك" (٣/٢١٥) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٢/٥-٧) ، و (١١/١٠٦-١٠٧) ، و (٢٨/١٢٣-١٢٤) ؛ من طريق يونس بن بكير، وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (١/١١٨) من طريق عبد الرحمن بن محمد المحاربي، و (١/١١٩) من طريق إبراهيم بن سعد؛ جميعهم (بكر، وسلمة، ويونس، والمحاربي، وإبراهيم) عن ابن إسحاق، به، ورواية بعضهم مختصرة.
وسيأتي برقم [١٥٠١٤] من طريق أبي الأسود، عن عروة. وانظر الأحاديث التالية.
(٢) الآية (٧١) من سورة مريم.
(*) من بحر البسيط.
(٣) ذات فَرْغٍ؛ أي: ذات سعةٍ، يعني: ضربة واسعة. "تاج العروس" (ف ر غ) . ⦗٣٧٩⦘
(٤) الحرَّان: العطشان. وحرَّتْ كبده فهي حرَّى: يبست من عطش أو حزن. وربما أراد حرَّان الكبد حزنًا على قتلاه، أو المتعطش للدماء. وانظر: "لسان العرب" و"تاج العروس" (ح ر ر) .
(٥) قوله: «تَنْفُذُ الأَحْشَاءَ وَالكَبِدَا» غير واضح في المخطوط، واستدركناه من "مجمع الزوائد".
(٦) الجَدَث: القبر. "تاج العروس" (ج د ث) .
(٧) كذا في الأصل، وفي "مجمع الزوائد": «يثبت» ، وفي بعض المصادر: «فثبت» . وما في الأصل متزنٌ عروضيًّا إلا أن فيه علة الخَرْم؛ وهي حذف أول متحرك من الوتد المجموع في أول البيت. "الكافي في العروض والقوافي" للخطيب التبريزي (ص ١٤٣) .
(٨) في الأصل: «أودى» ، والمثبت من "مجمع الزوائد"، و"تاريخ دمشق" الموضعين الأول والثالث. و «أزرى به» أي: أدخل به عيبًا، أو تهاون به. أما «أودى» فهو من الهلاك. "تاج العروس" (ز ر ي، ود ي) .
والحديث- كما ترى- من مراسيل عروة بن الزبير، فهو ضعيف لإرساله، فلسنا بحاجة لتكلُّف جواب عن قوله: «أزرى به القدر» ؛ إذ لا يُظن أن يثبت هذا عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، ثم لا يبيِّن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فيه من التعبير الذي لا ينبغي. ⦗٣٨٠⦘
(٩) من بحر الكامل.
(١٠) قال ياقوت في "معجم البلدان" (٥/١٥٣) : مَعَانُ- بالفتح وآخره نون، والمحدِّثون يقولونه بالضم-: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء.
(١١) تقرأ في الأصل: «مآ» . والمثبت من "مجمع الزوائد" و"تاريخ الطبري" و"تاريخ دمشق". و «مآب» مدينة في طرف الشام من نواحي البلقاء. "معجم البلدان" (٥/٣١) .
(١٢) قوله: «بلقين» يعني: بني القَيْن- وهم حيٌّ من بني أسد- وهي لغة لبعض العرب في كل قبيلة تظهر فيها لام المعرفة؛ مثل «بَلْعَنْبَرِ» ، و «بَلْحَارِثِ» ، و «بَلْهُجَيْمِ» ، فيحذفون الياء لسكونها وسكون اللام، ولم يمكنهم إدغام النون في اللام لحركة النون وسكون اللام، فحذفوا النون بدلاً من إدغامها. وإنما دعاهم إلى ذلك كثرة الاستعمال. وإذا لم تظهر اللام لم يحذفوا؛ مثل «بني النجار» ، و «بني النمر» و «بني التيم» ؛ لئلَاّ يجمعوا عليه علتين: الإدغام والحذف.
وانظر: "المقتضب" (١/٢٥١) ، و"أسرار العربية" (ص ٤٢٨) ، و"همع الهوامع" (٣/٤١٢- ٤١٣) ، و"تاج العروس" (ق ي ن) .
(١٣) كلمة «بلى» غير واضحة في الأصل، وعليها آثار تصويب، واستدركناها من "تاريخ الطبري". وفي "مجمع الزوائد": «رجل يلى» .
(١٤) في "مجمع الزوائد": "ملك بن زانة"، وفي "تاريخ الطبري": «مالك بن رافلة» . وبقية المصادر لم تذكره.
(١٥) في الأصل: «المسلمون» ، والمثبت من "مجمع الزوائد" و"تاريخ الطبري". وسقط من "تاريخ دمشق" من بعد "المستعربة" إلى هنا. ⦗٣٨١⦘
(١٦) سيورد المصنف رحمه الله ما أنشده عبد الله بن رواحة رضي الله عنه في الحديث التالي بإسناد آخر غير إسناد قصة وقعة مؤتة، ثم يستأنف القصة بإسناد هذا الحديث بعد انقضاء قصة إنشاد البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>