بلى، وأنا الآن أَزعُمه فَابرُز لي، فأبى أن يبرُز له بسطام، وقال بسطام: ما أظنُّ نِسوةَ بني يربوعٍ
يَظنُنَّ بك هذا الظنَّ، أن تُحجِمَ عن الكتيبةِ حين رأيَتها، ثم قال لصاحبيه أُحَيمر ومالك مِثل ذلك. فلم
يزل يَشحذُهم ويُحَضِّضهم كَيداً منه وخديعةً، حتى حملوا أفراسَهم وَسط القومِ، فأمَّا بُجيرُ فلِقيه الملبِّدُ
بنُ مسعود، عمُّ بسطام، فاعتنق كلُّ واحد منهما صاحِبه فوقعا على الأرض عِكْمَي عَيرٍ، فاعتلاه
بُجير، فلما خشي الملبِّدُ أن يظهَر عليه بُجير، نادَى رجلاً من بني شيبان، يقال له لُقيمُ بنُ أوس: يا
لُقيمُ أغِثني فقد قتلني اليربوعيُّ، فمال إليه لُقيمُ فضربه على رأسه فقتلهُ، وخُرِّق أُحيَمر بالقنا، وتُرِك
مطروحاً فظنوا أنهم قتلوه، وضُرِبَ مالكُ بنُ الجُرمية، فأُمَّ فعاش سنة مأموماً ثم مات من آمتِه،
وانهزمت بنو سَليط، فلما انهزموا، قال بسطام: يا بني شَيبان أَيسُرُّكم أن تأسِروا أبا مُليل، قالوا: نعم،
قال: فإنه أولُ فارسٍ يطلُع عليكم الساعةَ، أتاهُ مُليلٌ فأخبره خبرنَا وخبر ابنهِ، فلم ينتظر الناس،
فليتخلّف معي منكم فوارسُ فإنكم ستجدونه مُكِبّاً على بُجيرٍ حين عاين جيفتَه فَكَمن له بِسطامُ في
عشرةِ فوارسَ قريباً من مصرعِ أصحابهِ، فلم يلبثوا إلا قليلاً، حتى طلع عليهم على فرسِه بلعاءَ، فلما
عاين بُجيراً نزل فأكبَّ على جيفتِه يقبِّلُه ويحتضِنهُ، وأقبل بِسطامُ ومَن كان معه يركُضون حتى أتَوه،
فوجوده مُكِباً عليه، وبَلعاءُ يَعِلك لجامَه واقفاً فأسروه وأخذوا فرسه، فلما صار في يَديْ بسطام، قال: يا
أبا مليل، إني لم آخُذك لأقتلك، قال: قد قتلتَ ابني وَودِدتُ أني مكانه، أما إنَّ طعامَك عليّ حرامٌ
مادُمتُ في يدك، قال: فكان أبو مُليلُ يؤتى بالطعام فَيبيتُ يطرُد عنه الكلابَ مخافةَ أن تأكله، فيظنوا
أنه أكله هو حتى جُهِدَ، فلما رأوا جَهده، قال بشرُ بنُ قيس لأخيه بسطام بن قيس: إني لا آمَنُ أن
يموتَ أسيرُك هذا في يديك هَزلاً فتسبُّك به العربُ، فَبِعهُ نفسَه، فأتاه