من الناس، وإن عبيدا بعثه أهله على رواحلهم من اكتاف
خلص وهبود، يلتمس عليها الميرة والخير، وايم الله لأوقرن رواحله مما ساء نسوة بني نمير. قال
فأتى جرير رحله في دار بني مصاد، في موضع دار جعفر بن سليمان، وهو في غرفة، فجعل لا يهدأ
قلقاً مما يجد في نفسه. قال: فصعد إليه بعضهم، فقال له: ما عراك يا أبا حرزة؟ قال: لا شيء، حتى
فعل ذلك عامة ليله. قال: ويصعدون إليه فيسألونه ما شأنك، فلا يخبرهم بشيء، حتى افتتح له هجاؤه
كما أراد، فقال: إني كنت أحاول هجاء العبد حتى أطلعت طلع هجائه. واستتب لي من ذلك ما أردت
منه. قال: وأدخل طرف ثوبه بين رجليه ثم هدر كما يهدر البعير، وقال: أخزيت ابن بروع، حتى إذا
أصبح غدا فرأى الراعي وابنه في سوق الإبل فقال:
أجندلُ ما تقول بنو نميرٍ ... إذا ما الأيرُ في است أبيك غابا
فقال الراعي لما سمع ذلك: شراً والله تقول.
علوتُ عليك ذروةَ خندفيٍّ ... ترى من دونها رتبا صعابا
لنا حوضُ النبيِّ وساقياه ... ومن وَرَث النبوةَ والكتابا
إذا غضبت عليك بنو تميمٍ ... حسبتَ الناسَ كلَّهم غضابا
فغضَّ الطرفَ إنك من نُميرٍ ... فلا كعباً بلغتَ ولا كلابا
أتجعلُ دِمنةً خَبُثتْ وقلَّت ... إلى فرعين قد كثرا وطابا
فقال الراعي وهو يريد نقضها:
أتاني أنَّ جحشَ بني كليب ... تعرَّض حول دجلَة ثم هابا