للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يكون لغيره، فمن جعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغبر بمن لا شبيه له ولا مثيل له ولا ند له وذلك أقبح التشبيه وأبطله. ولشدة قبحه وتضمنه غاية الظلم أخبر سبحانه عباده أن لا يغفره، مع أنه كتب على نفسه الرحمة.

ومن خصائص الإلهية: العبودية التي قامت على ساقين لا قوام لها بدونهما: غاية الحب، مع غاية الذل. هذا تمام العبودية، وتفاوت منازل الخلق فيها بحسب تفاوتهم في هذين الأصلين.

فمن أعطى حبه وذله وخضوعه لغير الله فقد شبهه به في خالص حقه. وهذا من المحال أن تجيء به شريعة من الشرائع، وقبحه مستقر في كل فطرة وعقل، ولكن غيرت الشياطين فطر الخلق وعقولهم وأفسدتها عليهم، واجتالتهم عنها. ومضى على الفطرة الأولى من سبقت له من الله الحسنى فأرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه بما يوافق فطرهم وعقولهم. فازدادوا بذلك نوراً على نور (يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ) (١).

* إذا تبين (٢) هذا فها هنا أصل عظيم يكشف سر المسألة، وهو أن أعظم الذنوب عند الله إساءة الظن به، فإن المسيء به الظن قد ظن به خلاف كماله المقدس، وظن به ما يناقض أسماءه وصفاته. ولهذا توعد الله سبحانه الظانين به ظن السوء بما لم يتوعد به غيرهم، كما قال تعالى: (عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) (٣). وقال تعالى لمن أنكر صفة من صفاته: (وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (٤).

قال تعالى عن خليله إبراهيم أنه قال لقومه: (مَاذَا تَعْبُدُونَ، أَإِفْكاً آلِهَةً


(١) سورة النور، الآية: ٣٥.
(٢) أي: سوء الشرك وشنيع جرمه.
(٣) سورة الفتح، الآية: ٦.
(٤) سورة فصلت، الآية: ٢٣.

<<  <   >  >>