للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ، فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ) (١).

أي: فما ظنكم أن يجازيكم به إذا لقيتموه وقد عبدتم غيره؟ وما ظننتم به حتى عبدتم معه غيره؟ وما ظننتم بأسمائه وصفاته وربوبيته من النقص حتى أحوجكم ذلك إلى عبودية غيره؟ فلو ظننتم به ما هو أهله من أنه بكل شيء عليم، وهو على كل شيء قدير، وأنه غني عن كل ما سواه، وكل ما سواه فقير إليه، وأنه قائم بالقسط على خلقه، وأنه المنفرد بتدبير خلقه لا يشركه فيه غيره، والعالم بتفاصيل الأمور، فلا يخفى عليه خافية من خلقه، والكافي لهم وحده، فلا يحتاج إلى معين، الرحمن بذاته، فلا يحتاج لرحمته إلى من يستعطفه، وهذا بخلاف الملوك وغيرهم من الرساء، فإنهم يحتاجون إلى من يعرفهم أحوال الرعية وحوائجهم، ويعينهم إلى قضاء حوائجهم، وإلى من يسترحمهم ويستعطفهم بالشفاعة، فاحتاجوا إلى الوسائط ضرورة لحاجتهم وضعفهم وعجزه وقصور علمهم.

فأما القادر على كل شيء، الغني بذاته عن كل شيء، والعالم بكل شيء الرحمن الرحيم الذي وسعت رحمته كل شيء، فإدخال الوسائط بينه وبين خلقه تنقص بحق ربوبيته وإلهيته وتوحيده، وظن به ظن السوء، وهذا يستحيل أن يشرعه لعباده، ويمتنع في العقول والفطر جوازه، وقبحه مستقر في العقول السليمة فوق كل قبيح" (٢) أ. هـ.

* تعليل الأحكام بالمصالح والمفاسد دليل على ذاتية الحسن والقبح للأفعال، وعلى بطلان استواء ذواتها.

فالشريعة كلها شاهدة بتعليل الأحكام - ما خلا الأحكام التعبدية - ودالة


(١) سورة الصافات، الآيات: ٨٥ - ٨٧.
(٢) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي بتحقيق حسين عبد الحميد ١٧٥: ١٨٩ دار القبلتين الطبعة الأولى.

<<  <   >  >>