للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه، وناطقة به. ولذلك أطبق الفقهاء على تأثير العلل في الأحكام، وأنها تدور معها وجوداً وعدماً، وإلا انسد باب القياس الذي هو أصل أصيل، وركن ركين من أصول وأركان الاستنباط وأدلة الأحكام.

وكل من تكلم في علل الشرع ومحاسنه وما تضمنه من المصالح ودرء المفاسد فلا يمكنه ذلك إلا بتقرير الحسن والقبح العقليين؛ إذ لو كان حسنه وقبحه بمجرد الأمر والنهي لم يتعرض في إثبات ذلك لغير الأمر النهي فقط. وعلى تصحيح ذلك فالكلام في القياس وتعليق الأحكام بالأوصاف المناسبة المقتضية لها دون الأوصاف الطردية التي لا مناسبة فيها فيجعل الأول ضابطاً للحكم دون الثاني لا يمكن إلا على إثبات هذا الأصل. فلو تساوت الأوصاف في أنفسها لانسد باب القياس والمناسبات والتعليل بالحكم والمصالح ومراعاة الأوصاف المؤثرة دون الأوصاف التي لاتأثير لها" (١).

وأما النفاة فقالوا: "إن الشرع لا يأمر وينهى لحكمة، ولم يعتمدوا المناسبة وقالوا: علل الشرع أمارات، كما قالوا: إن أفعال العباد أمارة على السعادة والشقاء فقط من غير أن يكون في أحد الفعلين معنى يناسب الثواب أو العقاب" (٢).

وللك جوزوا أن تأتي شرائع أحكام الحاكمين بحل الشرك والخبائث، وتحريم التوحيد والطيبات. وما هذا إلا لاستواء الأفعال ونفي المرجحات.

ومن تأمل شراع الرحمن وجدها من أولها إلى آخرها شاهدة ببطلان إفكهم، وناطقة بجرمهم، ووجد: الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة بادياً على صفحاتها، وأنه يستحيل على أحكام الحاكمين، ولا يليق بجنابه أن يعدل بها إلى ضدها لما في خلافها من: القبائح والظلم والسفه.

فحكمته، وإرادته وعدله يحولون: دون مجيء شريعته على خلافها،


(١) مفتاح السعادة/ ٣٦٠.
(٢) النبوات/ ١٤٢.

<<  <   >  >>