لحبه: الصلاح والعدل، ولبغضه: الفساد والظلم، وصفتي الحب والبغض هما مصدري: الأمر والنهي.
فأهل السنة يؤمنون بأن الله يحب ويبغض على وجه يليق بجلاله وعظيم سلطانه، وأثبتوا متعلق أثرهما في الأفعال التي به تباينت، وقامت المرجحات بينها. وهذا من أجل أصول أهل السنة في تلك المسألة.
وأما النفاة فمن أصولهم الفاسدة لنفي الصفات انطلقوا لتأويل تلك الصفتين ونفي أثرهما المفرق بين ذوات الأفعال وكنه الأشياء، وقالوا: الكل على وتيرة واحدة لا فرق بينها إلا بالخبر.
قال ابن القيم: "وإذا تأملت شرائع دينه التي وضعها بين عباده وجدتها لا تخرج عن تحصيل المصالح الخاصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت قدم أهمها وأجلها وإن فاتت أدناهما؛ وتعطيل المفاسد الخالصة أو الراجحة بحسب الإمكان، وإن تزاحمت عطل أعظمها فساداً باحتمال أدناها.
وعلى هذا وضع أحكم الحاكمين شرائع دينه دالة عليه شاهدة له بكمال علمه وحكمته ولطفه بعباده وإحسانه إليهم. وهذه الجملة لا يستريب فيها من له ذوق من الشريعة، وارتضاع من ثديها، وورود من صفو حوضها، وكلما كان تضلعه منها أعظم كان شهوده لمحاسنها ومصالحها أكمل، ولا يمكن أحد من الفقهاء أن يتكلم في مآخذ الأحكام وعللها والأوصاف المؤثرة فيها حقاً وفرقاً إلا على هذه الطريقة. وأما طريقة إنكار الحكم (١) التعليل ونفي الأوصاف المقتضية لحسن ما أمر به، وقبح ما نهى عنه وتأثيرها واقتضائها للحب والبغض الذي هو مصدر الأمر والنهي بطريقة جدلية كلامية لا يتصور بناء الأحكام عليها، ولا يمكن فقيهاً أن يستعملها في باب واحد من أبواب الفقه، كيف والقرآن وسنة
(١) هكذا في الأصل، وإن كان السياق يقتضي: الحكمة والتعليل أو الحكم والتعليل.