رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مملوآن من تعليل (١) الأحكام بالحكم والمصالح، وتعليل الخلق بهما، والتنبيه على وجوه الحكم التي لأجلها شرع تلك الأحكام، ولأجلها خلق تلك الأعيان. ولو كان هذا في القرآن والسنة في نحو مائة موضع أو مائتين لسقناها ولكنه يزيد على ألف موضع بطرق متنوعة.
فتارة يذكر لام التعليل الصريحة، وتارة يذكر المفعول لأجله الذي هو المقصود بالفعل، وتارة يذكر (من أجل) الصريحة في التعليل، وتارة يذكر أداة (كي)، وتارة يذكر الفاء وإن، وتارة يذكر أداة (لعل) المتضمنة للتعليل المجردة عن معنى الرجاء المضاف إلى المخلوق، وتارة ينبّه على السبب يذكره صريحاً، وتارة يذكر الأوصاف المشتقة المناسبة لتلك الأحكام ثم يرتبها عليها ترتيب المسببات على أسبابها، وتارة ينكر على من زعم أنه خلق خلقه وشرع دينه عبثاً وسدى، وتارة ينكر على من ظن أنه يسوي بين المختلفين اللذين يقتضيان أثرين مختلفين، وتارة يخبر بكمال حكمته وعلمه المقتضي أنه لا يفرق بين متماثلين، ولا يسوي بين مختلفين، وأنه ينزل الأشياء منازلها ويرتبها مراتبها، وتارة يستدعي من عباده التفكر والتأمل والتدبر والتعقل لحسن ما بعث به رسوله وشرعه لعباده، كما يستدعي منهم التفكر والنظر في مخلوقاته وحكمها وما فيها من المنافع والمصالح، وتارة يذكر منافع مخلوقاته منبها بها على ذلك، وأنه الله الذي لا إله إلا هو، وتارة يختم آيات خلقه وأمره بأسماء وصفات تناسبها وتقتضيها.
والقرآن مملوء من أوله إلى آخره بذكر حكم الخلق والأمر ومصالحهما ومنافعهما، وما تضمناه من الآيات الشاهدة الدالة عليه. ولا يمكن من له أدنى اطلاع على معاني القرآن إنكار ذلك.
(١) قال ابن الوزير اليماني: جزم ابن الحاجب في كتابه (مختصر منتهى السؤل والأمل): بإجماع الفقهاء على أن أفعال الله تعالى في الشرائع معللة. أ. هـ. إيثار الحق على الخلق /١٨٧.