للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهل جعل الله سبحانه في فطر العباد استواء العدل والظلم والصدق والكذب والفجور والعفة والإحسان والإساءة والصبر والعفو والاحتمال والطيش والانتقام والحدة والكرم والسماحة والبذل والبخل والشح والإمساك؟ بل الفطرة على الفرقان بين ذلك كالفطرة على قبول الأغذية النافعة وترك ما لا ينفع ولا يغذي، ولا فرق في الفطرة بينهما أصلاً. وإذا تأملت الشريعة التي بعث الله بها رسوله حق التأمل وجدتها من أولها إلى آخرها شاهدة بذلك، ناطقة به ووجدت الحكمة والمصلحة والعدل والرحمة باديا على صفحاتها منادياً عليها يدعو العقول والألباب إليها، وأنه لا يجوز على أحكم الحاكمين ولا يليق به أن يشرع لعباده ما يضادها. وذلك لأن الذي شرعها علم ما في خلافها من المفاسد والقبائح والظلم والسفه الذي يتعالى عن إرادته وشرعه، وأنه لا يصلح العباد إلا عليها، ولاسعادة لهم بدونها ألبتة" (١) أ. هـ.

* الربوبية تستلزم الألوهية، وبها بطل تأله كل ما سوى الله، واستحال لفقرهم لها.

قال تعالى: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) (٢).

وهذا الدليل من أنصع وأدل البراهين على دحض افتراء المفترين على الله: بجواز تحسين الشرك إن أتى به خبر - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.

وهذا الدليل يطفح القرآن بذكره. يقررهم المولى بربوبيته، ثم يلزمهم بلازمه. فلم يحتج سبحانه عليهم بمجرد الخبر، ولكن بما هو مركوز في فطرهم


(١) مفتاح دار السعادة/ ٣٤٠ - ٣٤١.
(٢) سورة يونس، الآيتان: ٣١ - ٣٢.

<<  <   >  >>