للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعقولهم: من استحالة عبادة من لا يرزق، ولا يملك السمع والأبصار، ولا يقدر على إخراج الحي من الميت ولا على إخراج الميت من الحي، فلو لم يكن ذلك موجب الفطر والعقول لقالوا: وما لنا لا نعبد من هذا شأنه؟

فلو لم يكن هناك مناسبة بين التقرير والإلزام، فلم يقررهم المولى بشيء هم مقرون به؟ ولم يأمرهم بشيء هم مكذبون به؟ ويجعل الأولة علة للثاني ويحتج به له.

وهذا التعليل يبطل قول الزاعمين: جواز استحسان الشرك في العقول والفطر، والتعبد به لله لو جاء به خبر. لأنه لو كان كذلك لجاز أن يأتي شرع يخبرهم بذات الدليل، ويلزمهم بضد لازمه وهو: الشرك.

فكيف يحتج بدليل واحد على الشيء وضده؟!!!

قال ابن كثير: "يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على: وحدانية الإله. فقال: (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) - وقد يعدد ألوان النعم من المنعم عز وجل - وقوله: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي: فهذا الذي اعترفتم بأنه فاعل ذلك كله هو: ربكم وإلهكم الحق الذي يستحق أن يفرد بالعبادة، (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) أي: فكل معبود سواه باطل، لا إله إلا هو وحده لا شريك له.

(فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي: فكيف تصرفون عن عبادة إلى عبادة ما سواه، وأنت تعلمون: أنه الرب الذي خلق كل شيء، والمتصرف في كل شيء؟!! " (١). أ. هـ

وقال تعالى (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ، عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ


(١) تفسير القرآن العظيم: (٤/ ٢٠٢ - ٢٠٣).

<<  <   >  >>