للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (١).

لقد نفى المولى جل في علاه عن نفسه الولد، لأنه من المعلوم ضرورة في كل عقل سليم وفطرة مستقيمة أن لهذا الكون خالقا لا ند له ولا نظير. والولد لا يكون إلا من ذاتين متماثلتين، وهو سبحانه ليس كمثله شيء، ولا نعلم له سميا.

ولو كان معه آلهة أخرى - كما يزعمون - لاضطرب نظام الكون، ولعلا بعضهم على بعض من أجل السيطرة والغلبة. والمشاهد أن الكون منتظم متسق في غاية الكمال والارتباط. فدل ذلك على أن مدبره واحد لا إله إلا هو، وعلى بطلان تأله ما سواه.

ثم نزه نفسه جل في علاه عن هذا الظن السيء، وعلا بنفسه الجليلة وعظمها عما يظنه المشركون به. فلو كان يجوز عليه الأمر بعبادة غيره، وقد فطر الفطر، وهيأ العقول على استحسان ذلك لو أمر به، فلم نزه نفسه وعلا بها عن شيء يجوز عليه؟!!!

قال عبد الرحمن السعدي: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) كذب يُعرف بخبر الله، وخبر رسله، ويعرف بالعقل الصحيح.

ولهذا نبه تعالى على الدليل العقلي على امتناع إلهين فقال: (إِذاً) أي: لو كان معه آلهة كما يقولون (لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ) أي: لانفرد كل واحد من الإلهين بمخلوقاته واستقل بها، ولحرص على ممانعة الأخر ومغالبته. (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ) فالغالب يكون هو الإله. فمن التمانع لا يمكن وجود العالم، ولا يتصور أن ينتظم هذا الانتظام المدهش للعقول. واعتبر ذلك بالشمس والقمر، والكواكب الثابتة والسيارة. فإنها منذ خلقت وهي تجري


(١) سورة المؤمنون، الآيتان: ٩١ - ٩٢.

<<  <   >  >>