للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على نظام واحد، وترتيب واحد، كلها مسخرة بالقدرة، مدبرة بالحكمة لمصالح الخلق كلهم، ليست مقصورة على أحد دون أحد، ولن ترى فيها خللا، ولا معارضة في أدنى تصرف.

فهل يتصور أن يكون ذلك تقدير إلهين ربين؟!!!

(سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ) قد نطقت بلسان حالها، وأفهمت ببديع أشكالها، أن المدبر لها إله واحد، كامل الأسماء والصفات، قد افتقرت إليه جميع المخلوقات في ربوبيته لها، وفي إلهيته لها. فكما لا وجود لها ولا دوام إلا بربوبيته كذلك لا صلاح لها ولا قوام إلا بعبادته وإفراده بالطاعة" (١) أهـ.

وقال ابن القيم: "تأمل هذا البرهان الباهر بهذا اللفظ الوجيز البين. فإن الإله الحق لا بد أن يكون خالقاً فاعلاً يوصل إلى عابديه النفع ويدفع عنهم الضر فلو كان معه سبحانه إله لكان له خلق وفعل، وحينئذ فلا يرضى شركة الإله الآخر معه، بل إن قدر على قهره والتفرد بالإلهية دونه فعل، وإن لم يقدر على ذلك انفرد بخلقه وذهب به، كما ينفرد ملوك الدنيا بعضهم عن بعض بمماليكهم، إذا لم يقدر المنفرد على قهر الآخر، والعلو عليه. وانتظام أمر العالم العلوي والسفلي وارتباط بعضه ببعض، وجريانه على نظام محكم لا يختلف، ولا يفسد. من أدل دليل على أن مدبره واحد، لا إله غيره ... فكما يستحيل أن يكون للعالم ربان خالقان متكافئان كذلك يستحيل أن يكون له إلهان معبودان" (٢) أ. هـ.

وأختم هذه المسألة بنقلين قيمين للإمام ابن القيم يفضح فيهما قول المفترين على الله كذباً بزعمهم: استواء كافة الأفعال وأنها على حد سواء بالنسبة إليه، لا فرق بينها إلا بمحض المشيئة بلا سبب ولا حكمة، مستدلا في ذلك بمقتضى


(١) تيسير الكريم الرحمن (٣/ ٣٧٢: ٣٧٣).
(٢) التفسير القيم /٣٧١.

<<  <   >  >>