للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفطرة والعقل الذي نزل كلام رب العالمين ليخاطبهما ويقرر موجبهما الذي صبغهما به، ويزيل كافة التغييرات والافتراءات التي نالتهما من قبل شياطين الإنسن والجن.

قال ابن القيم: "ولا يلتفت إلى قول من غلظ حجابه عن الله: إن الأمرين بالنسبة إليه على حد سواء، ولا فرق أصلاً، وإما هو محض المشيئة بلا سبب ولا حكمة.

وتأمل القرآن من أوله إلى آخره كيف تجده كفيلاً بالرد على هذه المقالة، وإنكارها أشد الإنكار، وتنزيه الرب نفسه عنها، كقوله تعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١) وقوله (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) (٢) وقوله (أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٣). فأنكر سبحانه على من ظن به هذا الظن السيء، ونزه نفسه عنه.

فدل على أنه مستقر في الفطر والعقول السليمة: أن هذا لا يكون ولا يليق بحكمته وعزته وإلهيته، لا إله إلا هو، تعالى عما يقول الجاهلون علوا كبيرا.

وقد فطر الله عقول عباده على استقباح وضع العقوبة والانتقام في موضع الرحمة والإحسان، ومكافأة الصنع الجميل بمثله وزيادة. فإذا وضع العقوة موضع ذلك استنكرته فطرهم وعقولهم أشد الاستنكار، واستهجنته أعظم الاستهجان.

وكلك وضع الإحسان والرحمة والإكرام في موضع العقوبة والانتقام،


(١) سورة القلم، الآيتان: ٣٥ - ٣٦.
(٢) سورة الجاثية، الآية: ٢١.
(٣) سورة ص، الآية: ٢٨.

<<  <   >  >>