للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.

وهذا صريح في أن أعمالهم قبل البعثة كانت قبيحة بحيث استحقوا أن يصيبوا بها المصيبة، ولكنه سبحانه لا يعذب إلا بعد إرسال الرسل. وهذا هو فصل الخطاب.

وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم: أن القبح ثابت للفعل في نفسه، وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة؛ وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية كليهما فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى لدم جمعهما بين هذين الأمرين فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل، وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي، وأحسنوا في رد ذلك عليهم. واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة، وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلاً على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها، وأحسنوا في رد هذا عليهم. فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصواب. وأما من سلك هذا المسك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله، ولا الظفر عليه أصلاً؛ فإنه موافق لكل طائفة على ما معها من الحق مقرر له، مخالف لها في باطلها منكر له.

وليس مع النفاة قط دليل واحد صحيح على نفي الحسن والقبح العقليين، وأن الأفعال المتضادة كلها في نفس الأمر سواء لا فرق بينها إلا بالأمر والنهي، وكل أدلتهم على هذا باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها إن شاء الله تعالى.

وليس مع المعتزلة دليل واحد صحيح قط يدل على إثبات العذاب على مجرد القبح العقلي قبل بعثة الرسل، وأدلتهم على ذلك كلها باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها إن شاء الله" (١) أ. هـ.


(١) مفتاح دار السعادة (٣٢٤: ٣٢٥).

<<  <   >  >>