وقال رحمه الله: وقد سلّم كثير من النفاة أن كون الفعل حسناً أو قبيحاً بمعنى: الملاءمة والمنافرة والكمال والنقصان عقلي. وقال نحن: لا ننازعكم في الحسن والقبح بهذين الاعتبارين، وإنما النزاع في إثباته عقلاً بمعنى: كونه متعلق المدح والذم عاجلاً، والثواب والعقاب آجلاً، فعندنا لا مدخل للعقل في ذلك، وإنما يعلم بالسمع المجرد.
قال هؤلاء: فيطلق الحسن والقبح بمعنى: الملاءمة والمنافرة، وهو عقلي. وبمعنى: الكمال والنقصان، وهو عقلي. وبمعنى: استلزامه للثواب والعقاب، وهو محل النزاع.
وهذا التفصيل لو أعطي حقه والتزمت لوازمه، رفع النزاع، وأعاد المسألة اتفاقية، وأن كون الفعل صفة كمال أو نقصان يستلزم إثبات تعلق الملاءمة والمنافرة لأن الكمال محبوب للعالم، والنقص مبغوض له. ولا معنى للملاءمة والمنافرة إلا الحب والبغض. فإن الله سبحانه يحب الكامل من الأفعال والأقوال والأعمال، ومحبته لذلك بحسب كماله، ويبغض الناقص منها ويمقته، ومقته له بحسب نقصانه، ولهذا أسلفنا أن من أصول المسألة إثبات صفة الحب والبغض لله فتأمل كيف عادت المسألة إليه وتوقفت عليه.
والله سبحانه يحب كل ما أمر به ويبغض كل ما نهى عنه، ولا يسمى ذلك ملاءمة أو منافرة، بل يطلق عليه الأسماء التي أطلقها على نفسه وأطلقها عليه رسوله: من محبته للفعل الحسن المأمور به، وبغضه للفعل القبيح ومقته له، وما ذلك إلا لكمال الأول ونقصان الثاني. فإذا كان الفعل مستلزماً للكمال والنقصان، واستلزامه له عقلي، والكمال والنقصان يستلزم الحب والبغض الذي سمّيتموه ملاءمة ومنافرة واستلزامه عقلي، فبيان كون الفعل حسناً كاملاً محبوباً مرضياً، وكونه قبيحاً مسخوطاً مبغوضا أمر عقلي. بقي حديث المدح والذم والثواب والعقاب. ومن أحاط علماً بما أسلفناه في ذلك انكشفت