له المسألة، وأسفرت عن وجهها، وزال عنها كل شبهة وإشكال.
فأما المدح والذم فترتّبه على النقصان والكمال والمتصف به، وذمهم لمؤثر النقص والمتصف به أمر عقلي فطري، وإنكاره يزاحم المكابرة، وأما العقاب فقد قررنا أن ترتّبه على فعل القبيح مشروط بالسمع، وأنه إنما انتفى عند انتفاء السمع انتفاء المشروط لانتفاء شرطه، لا انتفاءه لانتفاء سببه، فإنه سببه قائم، ومقتضيه موجود إلا أنه لم يتم لتوقفه على شرطه. وعلى هذا فكونه متعلقا للثواب والعقاب والمدح والذم عقلي، وإن كان وقوع العقاب موقوفاً على شرط وهو ورود السمع.
وهل يقال: إن الاستحقاق ليس بثابت لأن ورود السمع شرط فيه؟ هذا فيه طريقان للناس، ولعل النزاع لفظي، فإن أريد بالاستحقاق: الاستحقاق التام فالحق نفيه، وإن أريد به: قيام السبب والتخلف لفوات شرط أو وجود مانع فالحق إثباته.
فعادت الأقسام الثلاثة أعني: الكمال والنقصان، والملاءمة والمنافرة، والمدح والذم إلى أن عرف واح وهو كون الفعل محبوباً أو مبغوضاً، ويلزم من كونه محبوباً أن يكون كمالاً، وأن يستحق عليه المدح والثواب، ومن كونه مبغوضاً أن يكون نقصاً يستحق به الذم والعقاب.
فظهر أن التزام لوازم هذا التفصيل، وإعطاءه حقه يرفع النزاع ويُعيد المسألة اتفاقية. ولكن أصول الطائفتين تأبى التزام ذلك فلا بد لهما من التناقض إذا طردوا أصولهم. وأما من كان أصله إثبات الحكمة واتصاف الرب تعالى بها، وإثبات الحب والبغض له، وأنهما أمر وراء المشية العامة فأصوله مستلزمة لفروعه، وفروعه دالة على أصوله، فأصوله وفروعه لا تتناقض، وأدلته لا تتمانع ولا تتعارض" (١) أ. هـ.
وقال ابن الوزير: "حكى الزركشي في شرحه لكتاب السبكي المسمى جمع الجوامع: أن قوماً توسطوا فقالوا: إن القبح واستحقاق الذم عليه ثابت بالعقل،