وهذا كثير في القرآن يخبر أن كتابه ورسوله مذكر لهم بما هو مركوز في فطرهم من: معرفته، ومحبته، وتعظيمه، وإجلاله، والخضوع له، والإخلاص له، ومحبة شرعه - الذي هو العدل المحض - وإيثاره على ما سواه.
فالفطر مركوز فيها: معرفته، ومحبته، والإخلاص له، والإقرار بشرعه، وإيثاره على غيره، فهي تعرف ذلك، وتشعر به مجملا، ومفصلا بعض التفصيل؛ فجاءت الرسل تذكرها بذلك، وتنبهها عليه، وتفصله لها وتبينه، وتعرفها الأسباب المعارضة لموجب الفطرة المانعة من اقتفائها أثرها.
وهكذا شأن الشرائع التي جاءت بها الرسل فإنها: أمر بمعروف، ونهي عن منكر، وإباحة طيب، وتحريم خبيث، وأمر بعدل، ونهي عن ظلم. وهذا كله مركوز في الفطرة، وكمال تفصيله وتبيينه موقوف على الرسل، وهكذا باب التوحيد وإثبات الصفات فإن في الفطرة الإقرار بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه للخالق سبحانه؛ ولكن معرفة هذا الكمال على التفصيل مما يتوقف على الرسل، وكذلك تنزيهه عن النقائص والعيوب هو أمر مستقر في فطر الخلائق خلافا لمن قال من المتكلمين إنه لم يقم دليل عقلي على تنزيهه عن النقائص، وإنما علم بالإجماع!!
قبحا لهاتيك العقول فإنها ... عقال على أصحابها ووبالٌ
فليس في العقول أبين ولا أجلى من: معرفتها بكمال خالق هذا العالم، وتنزيهه عن العيوب والنقائص. وجاءت الرسل بالتذكرة بهذه المعرفة وتفصيلها، وكذلك في الفطر الإقرار بسعادة النفوس البشرية وشقاوتها، وجزائها بكسبها في غير هذه الدار. وأما تفصيل ذلك الجزاء والسعادة والشقاوة فلا تعلم إلا بالرسل، وكذلك فيها: معرفة العدل ومحبته وإيثاره. وأما تفاصيل العدل الذي هو شرع الرب تعالى فلا يعلم إلا بالرسل.