(٢) كلام المؤلف - رحمه الله - هنا موافق لمذهب أهل السنة والجماعة؛ إذ هو متجه إلى ثبوت الأمر والنهي والتحليل والتحريم بالشرع لا بالعقل، وليس متجهاً لثبوت الحسن والقبح في الأفعال. وأما مسألة التحسين والتقبيح العقليين فقد تنازع الناس فيها على أقوال: ما بين مثبت ونافٍ لها، وذكر النزاع فيها شيخ الإسلام ابن تيمية في: منهاج السنة (١/ ٤٤٨ - ٤٥٠)، والرد على المنطقيين (ص ٤٢٠ - ٤٢١) والفتاوى (٨/ ٤٣١ - ٤٣٤)، ودرء التعارض (٩/ ٤٩ - ٥٠)، وذكرها ابن النجار الحنبلي في شرح الكوكب المنير (١/ ٣٠١ - ٣٠٢)، وبدر الدين الزركشي في البحر المحيط (١/ ١٤٦). وهم في الجملة على ثلاثة آراء: (أ) - القول بأنهما عقليان، وأنهما يدركان عن طريق العقل، هو قول المعتزلة ومن تابعها، قالوا بإثبات الحسن والقبح العقليين في أفعال الله وأفعال العباد، وأنهما ذاتيان، على خلاف بينهم في جهتهما، وأن الثواب والعقاب يعرف ويدرك بالعقل قبل الشرع، وبالتالي قالوا بالوجوب العقلي على الله، وأن ما حسن وقبح من العباد حسن وقبح من الله. انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص ٥٦٤ - ٥٦٥)، والمحيط بالتكليف (ص ٢٤٣)، والمختصر في أصول الدين للقاضي عبد الجبار (١/ ٢٣٤) ضمن كتاب: رسائل في العدل والتوحيد، والمعتمد في أصول الفقه لأبي الحسين البصري (١/ ٣٣٦ - ٣٤٢)، مناهج الأدلة لابن رشد (ص ٩٠ - ٩١)، والمعتزلة لزهدي جار الله (ص ١٠٨)، والمعتزلة وأصولهم الخمسة للمعتق (ص ١٦٣). (ب) - القول بأنهما شرعيان لا عقليان، وأن الحسن والقبح يثبتان بالشرع لا بالعقل، هو قول النفاة من الأشاعرة ومن تبعهم كابن حزم، فالحسن والقبح بمعنى كون الفعل يتعلق به المدح أو الذم عاجلاً، والثواب والعقاب آجلاً، نفوا أن يكون بهذا المعنى عقلياً. قال الباقلاني في الأنصاف فيما يجب اعتقاده ولا يجوز الجهل به (ص ٤٩ - ٥٠): وجميع قواعد الشّرع تدل على أن الحسن: ما حسنه الشّرع وجوّزه وسوّغه، =