للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولما يلزم من قياس الغائب على الشّاهد (١) وهو ضعيفٌ في الفروع، باطلٌ في الأصول.


= للطوفي (٣/ ٦٥٩، ٦١١)، والتفريق بين الأصول والفروع للدكتور سعد الشثري (٢/ ٣٠١ - ٣٢٣).
(١) بيَّن الغزلي في معيار العلم (ص ١٣٤) ماهية قياس الغائب على الشاهد بقوله: (التمثيل وهو الذي يسميه الفقهاء قياساً، ويسميه المتكلمون رد الغائب إلى الشاهد، ومعناه: أن يوجد حكم في جزء معين واحد فينقل حكمه إلى جزء آخر يشابهه بوجه ما)، ثم وضح ذلك بمثال قائلًا: (ومثاله في العقليات أن تقول: السماء حادث لأنه جسم قياساً على النبات والحيوان، وهذه الأجسام التي يشاهد حدوثها ....).
والحق أن هذه عبارة مجملة، منها ما هو حق ومنها ما هو باطل، وفي ذلك يقول ابن تيمية - رحمه الله - في نقض التأسيس (٢/ ٤٩٥): (قياس الغائب على الشاهد باتفاق الأمم ينقسم إلى حق وباطل، فإن لم يتبين أن هذا من الباطل لم يصلح رده بمجرد ذلك). ولقد أشار - رحمه الله - إلى اضطراب موقف المتكلمين والفلاسفة من هذه الصورة من صور الاستدلال، فإنهم يستعملونها تارة، ويرفضونها تارة. فيستعملونها لإثبات ما يوافقهم من آراء، ويرفضونها إذا استعملها خصمهم فيما يخالفهم من آراء.
يقول ابن تيمية - رحمه الله - في بيان تلبيس الجهمية (١/ ٣٢٦): (المتكلمون والفلاسفة كلهم على اختلاف مقالتهم هم في قياس الغائب على الشاهد مضطربون، كل منهم يستعمله فيما يثبته، ويرد على منازعه ما استعمله في ذلك، وإن كان قد استعمل هو في موضع آخر ما هو دونه، وسبب ذلك أنهم لم يمشوا على الصراط المستقيم، بل صار قبوله ورده بحسب القول لا بحسب ما يستحقه القياس العقلي، كما نجدهم أيضاً في النصوص الأدبية كل منهم يقبل منها ما وافق قوله، ويرد منها ما خالف قوله.
وإن كان المردود من الأخبار المقبولة باتفاق أهل العلم بالحديث، والذي قبله من الأحاديث المكذوبة باتفاق أهل العلم والحديث، فحالهم في الأقيسة العقلية كحالهم في النصوص السمعية، لهم في ذلك من التناقض والاضطراب ما لا يحصيه إلا رب الأرباب.
وأما السلف والأئمة فكانوا في ذلك من العدل، والاستقامة، وموافقة المعقول الصريح والمنقول الصّحيح؛ بحال آخر). =

<<  <   >  >>