للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالشرع، لقالوا له: لا يجب علينا في معجزتك نظرٌ؛ لأنه لا واجب (١) إلا بالشرع متقررٌ، ولم يتقرر بعد شرعك، ولا ظهر صدقك، فآل إيجاب الوقوف على الشرع إلى نفي الشرع، وهذا أعظم شبهةٍ لهم.

قال علماؤُنا (٢) قولا بديعاً: إذا ظهرت المعجزة فقد صحَّ الشرع، واستقرَّ الوجوب، ووجب على الخلق النظر والإيمان (٣)، وليس من شرط الوجوب على المكلف فيما أوجبناه عليه في (٤) ذلك: علمه


(١) في (ظ) و (ن): (لأنه واجب).
(٢) يقصد بذلك الأشاعرة.
(٣) حصر الأشاعرة صحة الشرع وصدق النّبيّ عن طريق المعجزة، فإذا ظهرت المعجزة علم بذلك صدق الرسول وصحة الشرع الذي جاء به. وقد بين أبو المعالي الجويني في كتابه الإرشاد (ص ٢٧٨) أنه لا دليل على صدق النّبيّ غير المعجزة، وحجتهم في ذلك الإجماع.
ومن المعلوم أن الحق خلاف ما ذكروه، فجمهور أهل السنة يقولون: إن دلائل ثبوت نبوة النّبيّ وصحة شرعه كثيرة، ومن ضمنها المعجزة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في النبوات (١/ ٢٣٨) موضحاً أن استدلالهم بالإجماع لا يصح من وجهين: (أحدهما: أنه لا إجماع في ذلك، بل كثير من الطوائف يقولون: إن صدقهم بغير المعجزات. الثّاني: إنّه لا يصح الاحتجاج بالإجماع في ذلك؛ فإن الإجماع إنّما يثبت بعد ثبوت النبوة، والمقدمات التي يُعلم بها النبوة لا يحتج عليها بالإجماع، وقولكم: لا دليل سوى المعجزة: مقدمة ممنوعة).
وردُّ ابن العربي على الفلاسفة فيه ضعف من وجهين:
١ - أن هذا الرد ليس حاسماً في القضية، ولا يسلم به الفلاسفة.
٢ - إن تقرر صحة الشرع بالمعجزة عند أول مجيئها سيكون تصديقاً بأول الشرع دون بقيته.
وعليه فإن تقرر الشرع سبق ظهور المعجزة، والمعجزة ليست الدّليل الوحيد، بل هي من الدلائل الكثيرة، ثم إن تقرر شرع الله إنّما هو بخطاب الله لعباده، وإرساله لرسله.
(٤) في (ظ) و (ن): (من).

<<  <   >  >>