فقد جمعت هذه الآيات بيان الجدال المذموم، والجدال المحمود الواجب، فالواجب هو الذي يجادل متوليه فى إظهار الحق، والمذموم وجهان بنص الآيات؛ التي ذكرنا: أحدهما: من جادل بغير علم، والثاني: من جادل ناصراً للباطل بشغب وتمويه بعد ظهور الحق إليه ... ". إضافة إلى أن الجدال والمناظرة قد ينهى عنهما لأمر خارج عما سبق كالجدال والمناظرة؛ التي توجب حصول الشبهات، أو المناظرة والجدال لمن هو فاقد الأهلية لهما. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في درء التعارض (٧/ ١٨٤): "وكلام السلف في ذم الكلام متناول لما ذمه الله في كتابه، والله سبحانه قد ذم في كتابه: الكلام الباطل، والكلام بغير علم. وأما جنس النظر والمناظرة فهذا لم ينه السلف عنه مطلقاً، بل هذا إذا كان حقاً يكون مأموراً به تارة، ومنهياً عنه أخرى، كغيره من أنواع الكلام الصدق، فقد ينهى عن الكلام الذي لا يفهمه المستمع، أو الذي يضر المستمع، وعن المناظرات التي تورث شبهات وأهواء، فلا تفيد علماً ولا ديناً". ولهذا اتخذ أهل السنة والجماعة المناظرة وسيلة من وسائل إظهار السنة، وقمع البدعة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لما يترتب عليهما من تمييز الحق من الباطل، والدعوة إلى الخير وبيان دلائله، والتحذير من الشر، وبيان عواره. وانظر: الإحكام في أصول الأحكام (١/ ١٩ - ٢٣)، الفقيه والمتفقه للخطيب البغدادي (١/ ٢٣٠ - ٢٣٥)، درء تعارض العقل والنقل (٧/ ١٨٤)، الجواب الصحيح (١/ ٨٥ - ٩٠)، فتح القدير للشوكاني (٤/ ٤٨١).