أحدهما: لازم قوله الحق، فهذا مما يجب عليه أن يلتزمه، فإن لازم الحق حق، ويجوز أن يضاف إليه إذا علم من حاله أنه لا يمتنع من التزامه بعد ظهوره، وكثير مما يضيفه الناس إلى مذاهب الأئمة من هذا الباب. الثاني: لازم قوله الذي ليس بحق، فهذا لا يجب التزامه، إذ أكثر ما فيه أنه قد تناقض، وقد ثبت أن التناقض واقع من كل عالم غير النبيين، ثم إنْ عُرف من حاله أنه يلتزمه بعد ظهوره له، فقد يضاف إليه، وإلا فلا يجوزُ أن يضاف إليه قول لو ظهر له فساده لم يلتزمه؛ لكونه قد قال ما يلزمه، وهو لا يشعر بفساد ذلك القول، ولا يلزمه. وهذا التفصيل في اختلاف الناس في لازم المذهب؛ هل هو مذهب أم ليس بمذهب؟ هو أجود من إطلاق إحداهما، فما كان من اللوازم يرضاه القائل بعد وضوحه له فهو قوله، وما لا يرضاه فليس قوله وإن كان متناقضاً). وقال - رحمه الله - أيضاً في الفتاوى (٢٠/ ٢١٧): (ولو كان لازم المذهب مذهباً للزم تكفير كل من قال عن الاستواء، أو غيره من الصفات أنه مجاز ليس بحقيقة، فإن لازم هذا القول يقتضي أن لا يكون شيء من أسمائه أو صفاته حقيقة ...). وقال ابن الوزير في العواصم والقواصم (٤/ ٣٦٨): (إن التكفير باللازم ومآل المذهب، رأي محض، لم يرد به السمع لا تواتراً ولا إجماعاً). وقال الشيخ السعدي - رحمه الله - في توضيح الكافية الشافية (ص ١٥٥ - ١٥٦): (فالصواب والتحقيق الذي يدل عليه الدليل أن لازم المذهب الذي لم يصرح به صاحبه، ولم يشر إليه، ولم يلتزمه، ليس مذهباً؛ لأن القائل غير معصوم، وعلم المخلوق مهما بلغ فإنه قاصر، فبأي برهان نلزم القائل بما لم يلتزمه، ونقوّله ما لم يقله). وعليه فلازم القول ليس بقول إلا إذا التزمه، ولا يجوز التكفير باللازم ولا بالمآل بإطلاق. (١) هو القاضي أبو بكر ابن الباقلاني. انظر: نسيم الرياض للخفاجي (٤/ ٥٣١).