قبل حديثه المباشر عن هذه الآية مهَّد له بقوله:"فقد جاءت أشياء بلفظ الخبر، وهي في معنى الأمر والنهي، منها قول عمر: صلي أمرؤ في كذا وكذا من اللباس، وقولهم أنجز حر ما وعد ... وهو كثير، فجاء بلفظ الحاصل تحقيقاً لثبوته، وأنه مما ينغبي ان يكون واقعاً ولابد، فلا يطلب من المخاطب إيجاده، بل يخبر به ليحققه خبراً صرفاً".
مراد المؤلف من قوله هذا أن السر البياني لمجئ الخبر بمعنى الأمر هو المسارعة إلى إمتثال الأمر حتى لكان المطلوب بالأمر حاصل وقت النطق به فيخبر عنه لأنه أمر موجود متصف به المخاطب المأمور. وهذا فهم في غاية الجودة يحمد للعلامة ابن القيم وهو في هذا التوضيح بياني ذواقة مرهف الحس ثم قال:
"وفيه طريقة أخرى، وهي أفقه معنى من هذه وهي أن هذا إخبار محض عن وجوب ذلك واستقرار حسنه فب العقل والشريعة والفطرة وكأنهم يريدون بقولهم: أنجز حرَّ ما وعد، اي ثبت ذلك في المروءة، وأستقر في الفطرة في التوجيه الأول جاء الخبر بمعنى الأمر إشارة إلى وجوب المسارعة والإمتثال.
وفي التوجيه الثاني جاء الخبر بمعنى الأمر إشارة إلى استحسان المأمور به عقلاً وشرعاً وفطرة وأياً كان الأمر فإن الإمام ابن القيم قد أوَّل الكلام تأويلاً مجازياً لغوياً مرسلاً فيما ذهب إليه في الوجه الأول.
ثم يعمد إلى الآية:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} والآية {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} فيقول - رحمه الله - وهذا موضع مجئ المسألة المشهورة, وهي مجئ الخبر بمعنى الأمر في القرآن في نحو قوله:{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ} و {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ} ونظائره فمن سلك المسلك الأول - يعني مسلك المسارعة والامتثال - جعله خبراً بمعنى الأمر.