بقيت التأويلات المجازية المفضية إلى الاستعارة وهي من المجاز اللغوي، وابن القيم ضارب في هذا المجال بسهم وافر، ومن ذلك.
فلا أقتحم العقبة: -
نقل الإمام في التحليل البلاغي لهذه الآية {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} تأويلاً مجازياً رائعاً، يفضي - لا محالة - إلى المجاز اللغوي الإستعاري. قال:
"وقال مقاتل: هذا مثل ضربه الله يريد: أن المعتق رقبة، والمطعم اليتيم والمسكين، يقاحم نفسه وشيطانه - يعني يغالب ويجالد - مثل لأن يتكلف صعود العقبة فشُبَّه المعتق رقبة في شدته عليه بالمتكلف صعود العقبة".
هذا التأويل يُفضى إلى أن هذه الآية مجاز لغوي من قبيل الاستعارة التمثيلية، شُبَّه فيها الهئية الحاصلة من فعل التكاليف الشاقة على النفس ببذل الطعام لمستحقيه وتحرير الرقاب من الرق بالهيئة الحاصلة من المشاق التي يتجشمها رجل يحاول صعود جبلاً مثلاً، وهذا هو المجاز المركب، وقد صرَّح ابن القيم بالمشبه والمشبه به وكأنه يجري الاستعارة كما يجريها البيانيون.
جاء الله من طور سيناء: -
هذه العبارة وردت في فقرة من التوراة. وهذا نصها:
"جاء الله من صور سيناء، واشرق من ساعير، واستعلن من فاران".
وفيها بشارة برسولَيْ الله عيسى ومحمد عليهما السلام وقد ذكر هذه الفقرة العلامة ابن القيم، ثم أوَّل معانيها تأويلاً مجازياً واضحاً فقال:
"فمجيئه من طور سيناء يعثته لموسى بن عمران وبدأ به على حكم الترتيب الواقعي، ثم ثنى بنبوة المسيح، ثم ختمه بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.