وفي هذه الآية يستعين الشيخ بالتأويل المجازي الواضح للكشف عن معنى الاهتزاز المسند إلى الأرض فيها: فيقول:
"اهتزت: أي تحركت بالنبات. ولما كان النبات ثابتاً فيها ومتصلا بها، كان اهتزازه كأنه اهتزازها. فأطلق عليها بهذا الاعتبار، أنها اهتزت بالنبات. وهذا أسلوب عربي معروف".
وقفة مع هذا الكلام:
هذا التأويل الذي يسميه الشيخ - لحاجة في نفس يعقوب - أسلوباً معروفاً من أساليب اللغة العربية، يسميه علماء البيان مجازاً عقلياً علاقته المكانية، لأن الأرض مكان الاهتزاز ومحله فأسند إليها وكأنها هي فاعلة الاهتزاز، وزانه قولهم: نهر جار: أي جازع ماؤه فيه. وحقيقة الآية على تأويله: اهتز نباتها فيها.
وسواء أقر الشيخ بالتسمية المجازية. أم لم يقر فالمجاز لازم له.
ونحن مع إلزامنا له بالمجاز على حسب تأويله نورد في الآية ما لم يقله هو، ولو كان قاله لكان أجدى على مذهبه في نفي المجاز في هذه الآية بعينها.
فلا مانع أن يكون الاهتزاز مسنداً للأرض حقيقة لا مجازاً لأنها حين ينزل فيها الماء، وبخاصة عن طريق المطر، تهتز ذراتها اهتزازاً حقيقياً وإن غاب عن النظر المجرد. وكذلك إذا غمرها الماء سيحاً؛ لأن الأرض تتحرك وتزداد في حجمها باختلاط الماء بها فكل من الاهتزاز والزيادة في "اهتزت وربت" حقيقتان لغويتان فيها ومع هذا فإننا نتمسك بما قاله الشيخ؛ لا لأنه عين الصواب ولكن لإلزامه بالتأويل المجازي الذي لم يستطع الاستغناء عنه.