للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من هذه الأخلاق التي يجب أن نتخلص منها أننا لا نعرف التعاون ولا نقدر أن نعمل مجتمعين. فالفرد منا عامل منتج، ولكن الجماعة عاجزة عقيمة، ومن نظر إلى انتشار الشركات في الغرب على اختلاف أنواعها، والجمعيات على تنوع غاياتها، والأحزاب والنوادي، ورأى ما عندنا من ذلك رأى أنه ليس إلى المفاضلة من سبيل ... وعلة ذلك (الأنانية) المفرطة، والأثرة الجامحة، وحب الذات الطاغي، فالرجل منا يريد أن يكون هو كل شيء في الجمعية أو الشركة، رئيسها إن كان لها رئيس، أو ناموسها (سكرتيرها) إن لم يكن رئيس، وعضو الإدارة إن كان مجلس إدارة، وأن يكون له الرأي إن أخذت الآراء ... بل إنا نرى كلاما يعطل أعمال الآخرين ويبطلها، ويعمل على هدمها، بينما نراه مؤمناً بلزومها، معتقداً بالحاجة إليها، ساعياً إلى القيام بمثلها، فهو يعرف الحاجة إلى ناد أدبي ولكنه يحارب النادي لأنك أنشأته أنت؛ وهو يعلم الحاجة إلى مدرسة دينية ويدعو إليها، ولكنه إذا رآها قد فتحت ونالت قسطاً من النجاح أصلاها حرباً حامية، وجعل أكبر همه هدمها وتخريبها. ذلك إن دعوته الأولى لم تكن عن إخلاص ولم يكن يريد بها وجه الله والمصلحة، ولكنه يريد الفخر والشهرة والنفع واللذة، فلما رآك أنت السابق إليها والذاهب بفخرها، خان المصلحة وعصى الله ليرضي أثرته ويستجيب لأنانيته ... وهو شاعر بالحاجة إلى جمعية خيرية يسعى إلى تأليفها بحماسة وجد ودأب قد ملأت فكرتها نفسه وحياته فهو لا يتحدث إلا بحديثها، ولا يشتغل إلا لتأسيسها، فإذا تم له الفلاح بعد التعب والكفاح وقامت الجمعية ولم يكن هو الرئيس أو هو الناموس انفصل عنها وحاربها حرباً لا هوادة فيها وسعى إلى هدم ما بناه بيده ...

هذا داء من أشد أدوائنا الخلقية، إن لم نعالجه فشت جرثومته في جسم الأمة، فشلّت أعضاءها وعطلت أعمالها:

متى يبلغ البنيان يوماً تمامه ... إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم؟

وأين هو الإخلاص، وأين هو الصدق، فيمن يدعو إلى الخير أو الدين

<<  <   >  >>