للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أو الفضيلة، وغايته استغلال الدين والخير والفضيلة لمصلحة نفسه وإطاعة هواه؟.

...

ومن هذه الأخلاق أننا لا نعرف قيمة الوقت، وأنا نضيع أوقاتنا سدى، ونذهب أعمارنا عبثاً لا نعرف لها قيمة وهي أثمن ما نملك. وإذا كان فينا من يحسن الاستفادة من وقته، وينفقه في علم أو أدب أو شيء مما ينفع الناس، لم يعدم من الثقلاء من يضيع عليه وقته، ويسرق عمره ولا يتوهم أنه أساء، وما أظن أن في القراء من لا يذكر حادثة في هذا الباب ... كنت ذاهباً إلى المدرسة ذات مرة، وكان عليّ محاضرة لم يبق دون موعدها إلا مسافة الطريق، وكنت مسرعاً لا أكاد أبصر طريقي فاعترضني رجل كبير كان ناظر المدرسة الثانوية التي كنت فيها وله في البلد حرمة ومقام، فأقبلت عليه أحييه وأفهمته برفق أن عليّ محاضرة قد حان موعدها فقال: طيب ... لحظة. وانطلق يتكلم، فلا والله ما سكت إلا بعد ما مضت نصف ساعة ألقى هو فيها المحاضرة عليّ، وأنا أتململ وأتحرك ويربدّ وجهي وأحس النار تشتعل في عروقي. فلما انتهى قال:

- أظن أننا وقفناك ... عدم المؤاخذة!.

...

هذه علة أخرى من عللنا الأخلاقية ... لا شك في أنها من أشدها وأدواها لأن حفظ الوقت آكد وسيلة إلى النجاح، وخير طريقة لرفعة الفرد والمجموع. أذكر أن الدكتور نمر تحدث إلى قراء المقتطف في العدد الخاص بعيد المقتطف بين لهم أن أثمن ما استفاده من الأمريكان في كليتهم هو تقدير الوقت، وأن ذلك هو الذي أعانه وزميله الدكتور صروف على النجاح وأتاح لهما تحقيق هذا المشروع العظيم، والأمريكان خاصة والغربيون على التعميم يعرفون كيف يستفيدون من أوقاتهم، فيقوم أحدهم في اليوم بأعمال لا تقوم بمثلها الجماعة منا في أسبوع. وكذلك كان أجدادنا الذين تركوا هذه الآثار العلمية الضخمة، وكان فيهم من بلغت تصانيفه الثلاثمئة فما فوقها .. كانوا يحسنون الاستفادة من

<<  <   >  >>