للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أوقاتهم، ولا يدعون دقيقة واحدة تمرّ إلا في عمل مفيد، أو راحة واجبة، أو قضاء حق لله أو للجسم أو للعيال .. والوقت لا يضيق بعمل إذا عرفنا طريق استغلاله والانتفاع به. ولو أحصى الواحد منا ما يذهب من عمره هدراً في (المقاهي) أو دور اللهو، وفي الأحاديث الفارغة، ومطالعة الصحف الجوفاء، والمجلات المؤذية، وقدر ما يمكن أن يعمل في مثل هذا الوقت من جليل الأعمال ونافعها لهاله الأمر ورأى شيئاً عظيماً.

وانظر إلى التلميذ إذا دهمه الامتحان كيف يقرأ الكتاب في ليال ويحفظه كله، والموظف إذا اضطر إلى العمل، أو الصحفي إذا كان موسم من مواسم الصحافة، والمؤلف إذا طمع في الجائزة الكبرى؛ انظر إلى هؤلاء كلهم، وانظر إلى هؤلاء الأفراد الممتازين الذين يشتغلون بالسياسة ويبرزون فيها، ويؤلفون في الأدب وينبغون فيه، ويطالعون كثيراً من الكتب، ولا يقصرون في حقوق أنفسهم وأهليهم، وحقوق الناس، تعلم أن الوقت واسع جداً، ولكن الجاهل المهمل يضيقه على نفسه.

...

ومن الأخلاق التي يجب أن نتعلمها تقدير المصلحة العامة وإهمالنا هذه المصلحة باب آخر من أبواب الأثرة (الأنانية) منشؤه أن أكثر الحكومات التي تتالت على بلدان الشرق الإسلامي في هذه القرون الأخيرة لم تكن من الشعب ولا إلى الشعب، ولم تكن تحرص على مصلحته، فزالت ثقته بها، ونظر إليها نظره إلى عدو مقاتل، وغدا يرى كل أذى يلحقه بها، أو مال يستلبها إياه، أو حق لها يضيعه، يرى كل ذلك بطولة وفخراً، وغدا كل واحد منا يسعى جهده ليفرَّ من الخدمة العسكرية أو يحتال بحيلة تنجيه من دفع الضرائب، أو يتوسل بوسيلة إلى اختلاس مال الخزينة. ولعل له في ذلك عذراً، هو أن الخدمة العسكرية كانت لحماية الحكومة دون الشعب، والضرائب لحياتها هي؛ وكان مال الخزينة مالها ينفق على أفرادها. ولا تزال الموازنة عندنا إلى الآن مصروفاً ثلثاها على الموظفين رواتب لهم وأجوراً، والثلث أو ما دونه على المصلحة التي أنشئت من أجلها الحكومة.

<<  <   >  >>