اعلم أيها السائل أن من تكلم في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب، ويرحم الله ابنَ حبان إذ نقل قولا ساقطًا عن بعض الناس في مقدمة كتابه "المجروحين"(١/ ١٧)، ثم ردَّ عليه قائلاً:(لو تملَّق قائل هذا القول إلى باريه في الخلوة وسأله التوفيق لإصابة الحق لكان أولى به من الخوض فيما ليس من صناعته).
والذين طعنوا على الحديث لا يعلمون شيئًا عن شرائط نقل الأخبار، ولا عن قوانين الرواية، لذلك فكلامهم ذلك ساقطٌ؛ لأن العقلاء اتفقوا أن يُرجع في كلِّ عِلم إلى أهله والمتخصصين فيه، ولا يتكلم في تصحيح الأخبار وتضعيفها إلا أهلُ الحديث وحدهم دون غيرهم، وهاك حاصل الكلام في إثبات صحة الحديث:
فاعلم أنه قد روى هذا الحديث ثلاثةٌ من الصحابة هم: أبو هريرة، وأبو سعيد الخدري وأنس بن مالك رضي الله عنهم ... ثم قام بتخريج حديث كل واحد منهم، وتكلم عليه بما تقضية أصول الصناعة الحديثية، ثم ختم البحث بقوله: فقد ثبت بهذا التخريج والتحقيق أن الحديث في غاية الصحة، ولا مطعن فيه، والحمد لله رب العالمين.
وقال شيخُنا في تحقيقه لجزء فيه من "الفوائد المنتقاة الحسان العوالي" من حديث أبي عَمرو السمرقندي (ت ٣٤٥ هـ)، ونحوه في تحقيقه لكتاب "الأمراض والكفارات والطب والرُّقَيات" لضياء الدين المقدسي (ت ٦٤٣ هـ) وفي "الفتاوى الحديثية / ج ٢ / رقم ١٦٨ / جماد أول ٤١٩١":
واعلم أنَّ هذا الحديث ثار حوله شغبٌ قديمٌ وحديثٌ، وتهوَّك في فهمه، والإيمان به أقوامٌ غالبهم من الذين قال الله تعالى فيه:{يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}[الروم: ٧].