هل الرجل وهو يعلُّ حديثًا في "الصحيحين" ما سبقه أحدٌ إلى إعلاله، وليس من أهل هذا الشأن، أقولُ: هل جمع الآثار المروية في الباب؟
كلا، كلا، بل إن الرجل لا يحسن فهم الكلام، ففي الوقت الذي يقول فيه إن الحديثَ معلولٌ لأنه يثبت كراهية موسى - عليه السلام - للموت، نقول: إنَّ في نفس الحديث ما ينقض هذه الدعوى، وهي قول موسى - عليه السلام -بعد ما علم أنه ملك الموت-: "أي ربّ! ثَّم ماذا؟ قال: الموت. قال: فالآن".
فالذي يستعجل الموت، ويقول "فالآن" هل يقال فيه: إنه كاره للموت، لذلك فقأ عينَ ملك الموت؟!.
وإنما فقأ موسى عينَ ملك الموت - عليهما السلام- لأن ملك الموت أتى موسى في صورة لا يعرفها، وصورةُ ملك الموت كانت معروفةً لموسى، إذ أنه كان يجالسُه، فلما رأى موسى رجلاً داخل داره لا يعرفُ من أين دخل ثمَّ هو لم يستأذن، حلَّ له أن يفقأ عينه، وهذا الحكم ثابتٌ في شريعتنا أيضًا، هذا خلاصة ما ذكره الشُّراح، ويدلُّ عليه أنَّه لما جاءه في المرَّة الثانية لم يفقأ عينه لأنه عرفه.
وهناك وجهٌ آخر أقوى من هذا. وهو أنه ثبتُ في "صحيح البخاري"(٨/ ١٣٦) وغيره، عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو صحيحٌ، يقول:"إنه لم يقبض نبيٌّ قطُّ حتى يرى مقعده مِنَ الجنَّة، ثم يحيا أو يُخَيَّر". فكانت هذه علامة جعلها الله لأنبيائه. فلما قيل لموسى عليه السلام: أجب ربَّك، وذلك يعني قبض روحه، ثم هو لم يخير، فعلَ ما فعلَ، فلمَّا خير بين الحياة الطويلة وبين الموت علمَ أنه مِنْ عند الله، ولم يكن نبيٌّ ليختار الحياةَ