واعلم أنَّ روايةَ معمر هذا الحديث قد أنكره أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان. فقد سألهما ابنُ أبي حاتم كما في العلل ١٤١٣ عن هذا الحديث، فقالا:"وهم فيه معمرٌ، إنما هو: الزهريّ، عن الأعرج، عن أبي هريرة. كذا رواه مالكٌ وجماعةٌ، وهو الصحيح". اهـ.
قلتُ: رضي الله عنكما! فإن رواية مالك هذا الحديث، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة: لا تمنع أنَّ يرويه الزهريُّ أيضًا، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة. كيف؟ والأمرُ كما قال يعقوب بنُ شيبة- كما في التمهيد ١٠/ ٢١٧ - قال: سمعت عليّ بنَ المدينيّ، يقول: قال لي معن بنُ عيسى: أتنكرُ الزهريّ -وهو يتمرَّغُ في أصحاب أبي هريرة- أنَّ يروي الحديث عن عدَّة؟!
فإن قلتَ: يمنعُنا مِنْ تصحيح رواية معمر، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب؛ أن الذين رووا هذا عن معمر هم أهل البصرة، مثل: شعبة بن الحجاج وهشام الدستوائي كما تقدَّم؛ ومن المعروف عند أهل العلم أنَّ معمر بنَ راشد لمَّا دخل البصرة لزيارة أمِّه حدَّث مِنْ غيرِ كتاب، فوقعت له أغاليط حملها عنه أهل البصرة، فأهل العلم يتوقفون في رواية أهل البصرة عنه.
فالجواب: أنَّ هذا صحيح، ولكن قد رواه أهل البصرة عنه، عن الزهري، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا. فأخرجه ش ٧/ ٢٥٦ و ١٤/ ٢٢٢ - ٢٢٣، وابنُ جرير في تهذيب الآثار ١١٥٨ مسند ابن عباس، قال: ثنا ابنُ وكيع. قالا: ثنا عبد الأعلى بنُ عبد الأعلى: ثنا معمرٌ بهذا الإسناد.
وتابعه: عبد الصمد بنُ عبد الوارث -وهو بصريٌّ أيضًا- فرواه عن معمر بهذا الإسناد. ذكره قط في العلل ٩/ ٢٠٣.