لقد سلم حسين باشا لهذا الآغا مبالغ كبيرة من الدراهم لتوزع على المحاربين لكي يسرعوا في الأعمال وتشجيعا للجنود. غير أن هذا الآغا لم يعط شيئا لمن وجه الداي إليهم تلك المبالغ. ودائما لتشجيع المعركة وإثارة طمع القبائل، وعد حسين باشا بأنه يعطي مكافأة قدرها خمسمائة فرنك لكل من يحمل رأس أحد الأعداء. وكلف الآغا بحساب هذا المبلغ، وجميع الايصالات من أصحاببها بعد تقديم الأدلة المقنعة. وبدلا من أن ينفذ إرادة سيده ويدفع المكافأة الموعودة. فإنه كان يرد الجنود طالبا منهم أن يعودوا بعد المعركة لتقاضي ما لهم. ولا أدري ماذا كان مصير المبالغ الهائلة التي كانت في حوزة الآغا.
وفي صباح الغد توجه الآغا وحاشيته والمرافقون إلى المكان المسمى: سيدي فرج، وبقي المركز شاغرا، ليس فيه على أكثر تقدير، إلا حوالي أربعين شخصا لحماية الأمتعة وكانوا بدون أسلحة ولا يملكون أية وسيلة دفاعية.
عندئذ إقتنعت بنفسي أن قيادة الجيش أسندت لرجل لا يعرف الفن العسكري، واعتبرت الإيالة قد ضاعت ثم رجعت حزينا إلى الجزائر. فهل من التكتيك الدفاعي أن يترك معسكره خاليا؟ ألم يكن عليه أن يبقي فيه حوالي ثلث جيشه للاحتفاظ بجنود غير متعبين يستطيع أن يدعم بهم جيوشه المنتصرة أو يسهل بهم عملية الانسحاب؟ إن هذا التكتيك يخلق في الميدانين، المعنوي والمادي، نوعا من الثقة ويلهم الشجاعة، وإذا لم يكن كذلك وانسحب الجيش نحو خيمة فوجدما خاوية، فإنه لا يستطيع إلا أن يهرب وكله خيبة ويأس.
ولأعطي فكرة دقيقة عن قصر نظره وعجزه، أذكر حادثة وقعت لي خلال المدة التي قضيتها عنده.