فإنني أعترف لهم بهذه الخلال الحميدة. وقد يتمكن الفرنسيون من مناقضتي، لكنه لن يكون في وسعهم إلا الثناء على الجزائريين، في حين أن الفرنسيين لم ينجزوا الجزء المئوي مما وعدوا به في بياناتهم ومعاهداتهم. إن معظم الفرنسيين لم يؤدوا حتى واجباتهم الاجتماعية - التي تسمى بالحقوق العمومية - إزاء أمثالهم من البشر وبصفتهم ينتمون إلى أمة متحضرة. وعندما وطأت أقدامهم أرض الجزائر، نسي الفرنسيون جميع قواعد الأدب والأمانة، بينما لم يطرأ أي تغيير على الجزائريين الذين استسلموا استسلاما كليا لمصيرهم البائس حتى أن السيد كلوزيل وصف هذا الاستسلام بالقدرية الشرقية.
إن الفرنسيين يتركون أبواب منازلهم مفتوحة طوال الليل ويجوبون الشوارع في الظلام وبدون سلاح، ومع ذلك لم نسمع أنهم تعرضوا لمكروه أو لشيء مما كان يقوم به ضدهم الإيطاليون والإسبانيون وغيرهم من سكان البلدان التي حملوا إليها الحرب. أما في الجزائر، وعلى الرغم من هذا الظلم، فإن الفرنسيين لا يشكون من السكان ظلما ناتجا عن التعصب أو الاختلاف في الدين، لأن قوام ديننا أخلاق فاضلة فقط، وأساس شريعتنا مبادىء حقوق الإنسان، والجزائريون يطبقون هذه المبادىء. أما من حيث الطاقات الفكرية، فإن خيال الجزائريين خصب، وأفكارهم منظمة. إنهم يدركون الأمور بكيفية عجيبة ولا يصعب عليهم أي عمل يدوي كان أم آلي، أوله علاقة بالعبقرية. إنهم يصنعون مختلف الأقمشة الحريرية والمحازم، يصدرونها إلى مملكة المغرب وتونس وطرابلس وكامل أنحاء آسيا. ولهم كذلك معامل تصنع الألبسة المطروزة بالحرير التي تنال إعجاب