فرضوا على أنفسهم احترام هؤلاء المرابطين، وإنما صاروا يقدمون لهم أكبر الامتيازات وأثمنها. وصارت أماكن سكانهم وضرائحهم، بعد الموت، مقدسة، كما أن القانون لا يمس كل من لجأ إليها. كانت هذه من إحدى الوسائل التي استعملها الأتراك لاكتساب ود العرب والبربر. وهناك وسيلة أخرى استعملوها وتتمثل في أنهم كانوا يظهرون أنفسهم في مظهر حماة الذين، ويمتنعون عن القيام بكل ما هو مناف للقوانين، ولا يعملون إلا بالقانون ولفائدة القانون. ثم هناك وسيلة ثالثة عرضية فحواها أن الأتراك يقيمون الصلاة بانتظام مما جعل البرابرة يتصورون أنهم مرابطون وصالحون. هذه هي الأسباب التي جعلت سكان الإيالة يخضعون طواعية للأتراك ويثقون فيهم ثقة عمياء.
وإذا اعتزمت إحدى القبائل على تشويش الأمن العام، فإن القبائل الأخرى تنضم إلى الأتراك لمحاربتها. وقلما يلجأ هؤلاء إلى قوتهم الحربية، وإنما كانوا يفضلون الاعتدال لبلوغ الأهداف التي وضعوها لأنفسهم. والدليل على ذلك أنهم عندما يخضعون قبيلة عدوة ثم تستسلم تلك القبيلة، يستقبلونها بحفاوة ويعيدون إليها ما أخذ منها أثناء الحرب، وقد يعوضون لها الأشياء المتلفة حتى يتمكنوا من أن يجلبوها إليهم بعد الانتصار عليها. لقد كانوا يبرهنون لمثل هذه القبيلة على ثقتهم بها ويدفعونها إلى أن تعيش هادئة. وكانوا يقولون لها بأن الهجوم لم يكن موجها لإبادتها وإنما لتأديبها وإرجاعها إلى الصراط المستقيم. وعلى الرغم من أن هؤلاء البربر أميون، فإن الاعتدال والإكرام يؤثران فيهم أكثر من القوة والعنف.
وإذا كانت بعض القبائل، كما ذكرت، تضم أحيانا إلى الأتراك لإخضاع القبائل الثائرة، فإن القبائل في ناحية بجاية وفي الجبال المجاورة