للمنطقة، لم تكن ترضى بأن تأتي قبائل أخرى إلى أرضها لتساعد الأتراك على إعادة الأمن. وإن كبار المنطقة ورؤسائهم هم الذين يسهرون على أمن الطرقات الواقعة في المقاطعة، ولكن ذلك لا يتم إلا إذا قام الشخص أو القافلة، باتخاذ أحد المرابطين كمنقذ أو كحام، ويزعمون أن ليس في استطاعتهم، بدون مرابط أن يؤمنوهم من الحوادث التي قد تقع في أثناء السفر. وجعلت الضرورة من هذا الإجراء شيئا لا بد منه تبناه الأتراك بدورهم للمحافظة على أمن الطرق. وما زال هذا النظام ساري المفعول إلى يومنا. وإن الحاميات التركية نفسها عندما تتوجه إلى حصن بجاية، سنويا، مضطرة إلى اصطحاب مرابط، وإلا فإنها تأخذ طريق البحر.
ونتج عن هذه السياسة وهذا الاعتدال طاعة العرب والقبائل وأمن الطرقات. وهناك وسيلة أخرى استعملها الأتراك لاكتساب ثقة الأهالي. وتتمثل في تطبيق العدالة والإنصاف اللذين يعتبران أساسا لجميع الحكومات التي تريد أن تكون عظمتها دائمة. وعندما يتم التأثير على العقول فإن الأجسام تتبع بالطبع، وما الفتح الحقيقي إلا ذلك الذي يستهدف القلوب لا الأجساد.
وبما أنني أرغب صادقا، في إسعاد وطني، رأيت من واجبي أن أبلغ إلى الجنرال بواي هذه المبادىء لأبين له الوسائل التي ينبغي استعمالها لإخضاع قبائل الداخل. إذ أن هذه الطريقة هي التي مكنت الأتراك من السيطرة على هذه الرقعة الشاسعة التي تمتد من وجدة غربا، إلى الكاف في الجنوب التونسي. ولقد رجوته أن يقول للجنرال كلوزيل ألا يحيد عن هذه المبادىء إذا كانت فرنسا تنوي الاستفادة من الجزائر عن طريق نشر العلم والحضارة. وأوصيته بعدم اللجوء إلى وسائل العنف وباحترام المبادىء السائدة عند هؤلاء الأقوام