الذين ليس لهم المعرفة الكافية لاستبدال عاداتهم مقابل للقوانين الأوروبية التي لن يخضعوا لها بالقوة أبدا. وإن تطبيق النظام القائم وحده هو الذي من شأنه أن يؤدي إلى نتائج مرضية.
ولكن التعطش إلى الثروة الذي يبدو أنه استهوى الفرنسيين في الجزائر قد نفى عنهم كل حذر وكل تعقل، فأصبحوا صما عميا لا يبصرون.
إن هذا النظام الذي ظل يطبق منذ زمن طويل لم يعد نظاما نظريا، وإن الأحداث لتشهد بصحة ومتانة المبادىء القويمة التي نريد إثباتها. ولكنني أكرر بأن طمع الفرنسيين في الثروات قد وصل، في الجزائر، إلى درجة أنني عندما ألجأ إلى الاستعارة أشبه هؤلام الأوروبيين بعملاق يدفعه العطش، وأشبه المدينة بحوض صغير من الماء المالح، كلما شرب العملاق ازداد عطشا، ويجف الحوض ولكن العطش لا يزول.
وللدلاة على ما يحدثه العدل والاعتدال من مفعول حسن، أشير إلى أنه تم غزو تونس إحدى عشرة مرة، منذ أن استقر الأتراك في الجزائر، وفي جميع هذه الغزوات لم تنتهك ولو مرة واحدة مبادىء الحرب ومبادىء حقوق الإنسان، ومعنى ذلك أن هذه الحروب لم تكن من أجل التنافس على السلطة.
ولقد كان الغالب يدخل تونس منتصرا فيخلع الباي الحاكم وينصب الباي الجديد ثم يقيم معه معاهدات فيها منافر للجزائر وإذلال للمغلوبين. ولم يحاول الغالبون، ولو مرة واحدة، الاستيلاء على تونس، أو الاستحواز على ممتلكات الأهالي التي ورثوها عن آبائهم أو التي حصلوا عليها بمجهوداتهم الخاصة. لقد كانوا دائما يحترمون الأملاك بما فيها من عقارات ومنقولات ولم يتسببوا، أبدا، في قلب النظام الاجتماعي وإنما كانوا يغادرون البلاد