بعد إبرام المعاهدات مباشرة كما يحدث ذلك عند الشعوب المتحضرة، وليس ثمة أمة تستعمل القوة إزاء شعب ضعيف دون أن تنال من مبادىء حقوق الإنسان.
ولتدعيم هذه الحجج، أذكر بالأحداث الأخيرة التي أصبحت فيما بعد من التاريخ، والتي تتمثل في غزو الجزائريين للإيالة التونسية.
وأتمنى أن يحقق قراء هذا الكتاب في صحة ما أوردته قبل أن يتهموني بالتحيز ضد الفرنسيين وبالحقد عليهم. وأترك للمتنورين والفلاسفة مهمة المقارنة بين أعمال الحكام الفرنسيين وأعمال الحكام الأتراك، وبين عنف الأولين واعتدال الآخرين. كما أترك لهم أن يحددوا أي الحكمين كانت لهم أحسن المبادىء.
وإذا رجعنا إلى تفاصيل نظام حكم الأتراك، وتنظيمات الأهالي المجاورين لمدينة الجزائر مثل المتيجة وبئر سليمان، الخ ... أعيد إلى الأذهان بأن هؤلاء السكان قد طلبوا من الباشا .. قائد الإيالة، أن يعين لهم أحد الأتراك يجمع الضرائب ويقيم بينهم شهيدا على تصرفاتهم وشاهدا على طاعتهم للباشا.
واستجابة لهذا الطلب تم تعيين قائد هذه المنطقة. ولأمور سياسية، كان الباشا يثق في السكان أكثر من ثقته بعامله، وذلك أن السلطان أو الملك يستطيع الاستغناء عن أي حاكم ولكنه لا يستطيع أن يكون على ما هو عليه إذا لم يكن تحت إمرته شعب يشكل أساس حكمه. وهكذا، إذن، كان الباشا مستعدا لتأييد شعبه أكثر من استعداده لمساندة عامله، اللهم إلا إذا حظي هذا الأخير بشهادة جزء من السكان لتزكية سلوكه وتبرير مواقفه. هذه هي الطريقة التي استعملها الأتراك لبسط نفوذهم، ثم تمكنوا بالتدريج من تمدين القبائل